زمن الكورونا..تحديث جديد للحياة في طور التفعيل

معجزات فيروس كورونا

بغض النظر عن وجود مؤامرات خفية أم لا أو أن الأمر يتعلق باختراعات بشرية أو حتى افتعال مقصود لحروب بيولوجية، بعيدا جدا عن هذا كله ومدى صحته من خطئه، سيحكى بعد سنين طويلة بشكل لا يصدق عن ما لم نتوقعه يوما، عن عدو مجهري لا يرى بالعين المجردة استطاع أن يفرض على الناس إقامة جبرية ويربك العالم ويغير موازين القوى ويختبر إنسانية الشعوب وحكوماتها وجميع أجهزتها.

وباء عالمي، جائحة، كائن متناهِ الصغر، عدو متناهِ الكبر أظهر ضعف الناس وقوتهم وساوى بينهم. لم يعد لنا موضوع سواه، اقتحم يومياتنا وأحاديثنا ومواضيعنا وغيَّر عاداتنا وأسلوب حياتنا بالكامل.

وأوقف نبض الحياة في الشوارع والمساجد والمدارس والمصانع والشركات. ولمَّ الشمل من خلال وقفة إجبارية غير مخططة.

فيروس كورونا المجمع المفرق، جمع بين آباء وأطفالهم بشكل أطول من المعتاد فقرروا إعادة ترتيب حياتهم وأولياتهم واختراع أنشطة مشتركة واكتشاف ومواهب خفية هوايات منسية، وجمع إخوة فرقتهم ظروف الدراسة والعمل ولم تسمح عطلهم المتباينة بالاجتماع منذ زمن وجمع قلوب الناس ووحد مشاعرهم وأدعيتهم.
وكما جمع فرق، فرق بين طبيب وأطفاله حين فرض عليه الواجب المهني والخوف الأبوي أن يبتعد عن منزله لمدة غير معلومة، فرق بين زوجين تعاهدا أن يكملا الحياة للآخِر معا فمات أحدهما وشفي الآخَر، فرق بين عروس وعريسها بإلغاء عقد قران بدأ التخطيط له منذ سنة خلت.

وفرق بين مغترب وحيد وأهله فوجد نفسه بين ليلة وضحاها محبوس في دولة أغلقت كل حدودها والطرق المؤدية منها وإليها حتى إشعار آخر وقلبه منقسم بين ما يحدث عنده وما يحدث في بلده فتضاعفت عنده الأخبار والشائعات ومشاعر الخوف والقلق.
موضوع الساعة هو حقل كبير للشائعات والأخبار ونشر الخوف والهلع وأيضا اختبار للوعي والإنسانية عند الشعوب.
كورونا أنصف العلماء والأطباء ورجال الأمن والمعلمين والمثقفين والواعيين ووضعهم في أعلى الترتيب من جديد.
كورونا عرى الكثير من الحقائق وكشف النيات ودرجة تماسك الناس وتمسكهم بالحياة وبعضهم وجعلهم يقيِّمون حياتهم ويعدون النعم المحيطة بهم والتي أهمِلَت لأنها أضحت من البديهيات.
فجأة صار لدى الإنسان وقت فراغ أكثر، أكثر مما تعود عليه يوما. فجأة لم يعد الإنسان في سباق مستمر مع الزمن  وأصبح من لم يأخذ يوم عطلة في حياته مجبر عن التوقف عن العمل.
فجأة أصبحت أهم البطولات الرياضية غير مهمة ولا الجلوس في المقهى أساسيا ولا السفر والاستجمام مسألة حياة أو موت ولا البقاء في البيت مستحيلا.


وكأن الكون يعيد ترتيب الأحداث والأولويات والقوى من جديد؛ وكأن الأرض تُفَعِّل تحديثا جديدا لا تعلم عنه أكبر شركات التكنولوجيا شيئا.


الحجز في زمن الكورونا درس كبير يجب أن لا ينسى، هو فرصة للعودة للذات، ترتيب للأولويات ورؤية دقيقة لتفاصيل الحياة.

Exit mobile version