روتين الحياة في زمن الكورونا

يوميات الحجر الصحي

روتيني الخاص تغيَّر بعد فرض الحجر الصحي والالتزام بعدم مغادرة المنزل -وكأنني في السابق كنت أهوى الخروج- يا لسخافتي ..ربما حدث تغير بسيط؛ حيث أن عقلي الباطن اقتنع بقواعد الحجر الصحي التي يتغنى بها زوار مواقع التواصل الاجتماعي، الذين يحاولون تغذية أناهم وحبهم في الظهور ليس إلا.
المهم، دعهم في أكذوبتهم يعمهون والآن ربما علي الفصح بما يعشق قلبي فعله في ظل هذه الأزمة التي رغم سلبياتها تحمل أيضا في طياتها العديد من الإيجابيات مثل رد الاعتبار لبعض وظائف المجتمع واختفاء المتغطرسين وعشاق الابتذال والظهور بالأشياء الرخيصة معنويا وروحيا والتي جبلت قلوبهم على الجري خلف كل ماهو دنيوي بذيء بدون قيمة.
إني أعيش في عزلة ساحرة أمضي الوقت كله بمفردي لا ألقي بالا لخطابات التقرب من العائلة أو غيرها، بل وأجد أنها تراهات فقط وأفضل أن أبقي مسافة بيني وبين أفراد الأسرة لأني أشعر أن رابطة الدم هي الخط الوحيد الفاصل بيني وبينهم؛ أيضا لا أجد أية لغة مشتركة تجمعني وإياهم، لذا تجنبا وتحسبا لحدوث أي حرب أهلية بيننا أبقى دائما محافظة على مسافة الأمان معهم ..

نشاطاتي تترواح ما بين مشاهدة البرامج مثل الوثائقيات بجميع أصنافها والدراسة -على فكرة، الدراسة في المنزل وطواعية دون أي إجبار خارجي جد مغرية- أدرس ما يستهويني مما جاد به علماء وأدباء وفلاسفة العالم سواء من الزمن الغابر أو في عصرنا هذا؛ أجد في ذلك عشقي وملاذي وكذا الكثير من المعاني البراقة التي أنسى في البحث في مختلف العلوم خاصة الإنسانية منها والنهل من منابعها نفسي من شدة الانسجام؛ فتارة أقرأ في الكتب الورقية المتوفرة عندي وتارة أتابع قنوات للتعليم المفتوح لأساتذة ودكاترة أكفاء ماشاء الله عليهم يشرحون بطريقة مذهلة، ومن ثم أمضي الساعات في تتبعها وتدوين بعض الأفكار المهمة التي يسهل على العقل إغفالها. أحيانا أشاهد من سبيل افتعال المتعة بعض الأفلام خاصة القديمة التي تدور أحداثها حول القيم الروحية المفقودة في زمننا هذا أو تحمل تاريخ حضارة عريقة أو إنجاز علمي باهر وهلم جرا… وكذا الخالية من زيف المظاهر. أيضا لا أنسى ارتشاف شراب ساخن يعينني على التركيز والرفع من منسوب الاستمتاع عندي.. لقد كنت أحتسي الشاي بكثرة، معشوقي الذي سكن في ثنايا قلبي فضلا عن الآراء المجحفة التي قيلت في حقه، كما أحتسي أيضا القهوة رغم عدم استساغي لها ولكن فقط من باب التنويع ليس إلا.
هكذا أحاول خلق عالم خاص بي، لا أسمح لأحد باقتحامه بإذن أو بدونه، قناعاتي ومعتقداتي الشخصية لا أتناقش فيها أبدا مع أي كان، لا يهمني نظرتهم إلي فالتجاهل و الاّكتراث لحديثهم المزعج هو سبيلي للاحتفاظ بهدنتي التي تملؤني و تسري في. آه كم هو مذهل أن تعيش وفق ما يمليه عليك عقلك فقط، فعلا إنها حرية لا محيد عنها، تحيا ما تبقى لك من عمر بسعادة ترتبط فقط بارتياح ضميرك وإملائات قلبك التي حتما تتم غربلتها أولا من قبل عقلك الذي يملك زمام الأمور كلها.

Exit mobile version