محاولة للفهم “الإنسان الحقيقي والإنسان الاصطناعي”

نظرة بين الماضي والحاضر

تشهد الحياة اليومية ثورة تكنولوجية مهمة واسعة الانتشار؛ انتشار الهواتف الذكية، الحواسيب، الأقمار الصناعية، جي بي اس..ماركات الملابس، قنوات التواصل الاجتماعي، السيارات الفاخرة… أضحى جزء كبير من الحياة اصطناعيا مصطنعا. 

بل وحتى منطق الربح المتسارع جعل العنصر البشري آليا في التعامل، وكأننا في مصنع كبير للانتاج المتواصل والانغماس في ذلك فتتشابه الأيام ليبتلع الروتين اليومي الناس.. حركة السيارات البطيئة في ساعة الذروة تجعل الأفكار تتزاحم في عقول السائقين حول ماينبغي فعله ومايفعل لحظة الوصول للوجهة المقصودة، وعن الوقت اللازم للوصول ومتى يكون. منطق الربح في الأسواق اكتسح بجميع الوسائل والآليات. المولات والماركات جعلت عملية التسوق تختلف عن ما كانت عليه أيام المحلات التجارية والدكاكين الصغيرة، لتجد أن ماركة المنتوج أهم من المنتوج نفسه!! فأن تقتني ملابس من الماركة الفلانية أهم من جودة المنتوج نفسه ومدى ملاءمته للشخص. ولنكون صرحاء فالجودة تحسنت بشكل كبير والوفرة تجعل مسألة الاختيار متاحة بشكل مهم.

إلا أن هناك شئ ما يبتلعنا جميعا، ربما الاستهلاك المفرط والنمطية التي تجعل الناس جميعا تبحث عن نفس الشئ. ربما نفتقد تلك الأسواق الجميلة التي تجعلك تمضي مساء دافئا وسط الدكاكين الصغيرة والباعة المتجولين تناقش سعر المنتوج بشكل يجعلك تتذوق لذة الشراء بشكل شعبي عوض أن تدفع حاويتك الصغيرة بشكل آلي لتختار منتوجات محددة السعر وتدفع الثمن بشكل آلي يجعل عملية البيع والشراء باردة مصطنعة. والأجمل من ذلك باعة الخضر والفواكه الطازجة المطروحة أرضا الممزوجة ببعض التراب والغبار شتان بينها وبين الرفوف النقية والخضر المغسولة من التراب كبيرة الحجم. إن المسألة أكبر من ذلك… هناك خيط ناظم بين كل هذه العادات التي تتغير من حولنا وتتغير فينا.

تحضرني أيضا تلك الصور التي توثق لحظات سعادة الإنسان وفرحه التي نحتفظ بها بعناية في ألبوم العائلة وتلك المتعة التي نعيشها ونحن نقلب تلك الصور الورقية التي تم التقاطها ذات عيد من الأعياد أو في ذكرى الميلاد لتعيد بناء ذاكرتنا ومحطات العمر. الأمر الآن مختلف فالصور الالكترونية الملتقطة بعدسات الهواتف الذكية عوضت ذلك؛ الصور الجديدة عالية الجودة ببكسالات معتبرة تدخل معنا في كل تفاصيل الحياة، توثق أيضا أدق التفاصيل، لكن شيئا ما اختلف أيضا.. فرائحة ورق ألبوم الصور مفتقدة…

رجاء طانجي

مهندسة دولة، مهتمة بالتدوين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *