نـوادر “كورونا”

نوادرٌ وحِكَمُ من زمن الوباء

بمجرد الاستيقاظ من النوم نحسب لوهلة أن هذا الوباء مجرد كابوس للنسيان، لتصفعنا أمواج هذه الأخبار بعتُوها مباشرة بعد ذلك عن هول الجائحة وعدد الوفيات وإحصائيات المصابين بفيروس كورونا المستجد – كوفيد-19 – ممّا يزيد القلق والتوتر ويزيد الطين بلة لا أكثر.

هلعٌ إلى حد الجزع أحيانا، مع أن هذا الخوف خَور لا ضرورة له؛ كيف ذلك؟ الخوف هو انزعاج النفس وعدم اطمئنانها من توقع ضار، ولِنُؤَمِّنَ أنفسنا يجب أن نجهد الأسباب لنعوق هذا الخوف، وإذا انزعجت نفسك تصبح ملكاتك غير منسجمة مع بعضها، وستواجه المَخوف حينئذ بملكات مضطربة؛ لأن بخوفك من الشيء تكون قد أعنت مصادر الخوف على نفسك، وأنت أحوج لاستقرارها وتواجه الأمر بكل تفكيرك وقواك، الانزعاج من المَخوف لا يمنع حدوثه لهذا اشغل نفسك بما يعوقه، ولا تعش في فزعه قبل أن يأتي وتلك آفة أن تعيش في المصيبة قبل حدوثها فتطيل عليك أمد المصيبة، وذلك مدخل من مداخل إبليس.

ما الحياة إلا حاضر، لا ماض يعود ولا مستقبل نضمن عيشه؛ وإنّ بقاء تركيزك منصبا على ما سيحل بك في قادم الأيام ما هو إلا حمق ويفسد عليك حلاوة هذه اللحظة، رغم صعوبة هذه الأيام إلا أنها ما كادت تخلو من المِنّة والفضل.. فظهَر حُسن الجوار وأجمع الناس على منطق أن الإنسان مستطيع بغيره وعاجز بمفرده وانكبّ أهل المغرب على البذل والعطاء والسخاء..

عَلِمنا حق العلم أن لهذه البلاد رجالا وَفّقهم الحق سبحانه للوقوف في الشدة قبل الرخاء مع كل من يشكوا قسوة العيش وضيق الرزق في هذه الأزمة على وجه الخصوص، آخذين بما جاء في نُونيّة البستي لأبو الفتح [ وكُنْ علـى الدَّهر مِعواناً لـذي أمَلٍ ]، فكان المرء بهذا التعبير كثير العون لدرجة أنه أصبح آلة لذلك، أعن من يتشوف إحسانك وجعل أمله فيك ورجاك وقصدك من غير الناس وأظهر لك مصون مُهجته فكن حرا وساعد بما قدرت وإن لم تستطع فبشعور يفهم منه صدق توجعك لفاقته واعلم أن كما احتاجك بعض الناس لحاجتهم فلابد أن تحتاج أنت بعضا من الناس.

استبشرتُ خيرا عندما رأيت أن الشباب أبانوا عكسَ ما يظنّه الكثير فيهم، باعتبارهم الفئة العمرية الأكبر في المجتمع، فإن تهمة الشر تلتصق بهم أكثر من غيرهم، فإن جل وليس كل ما يطرح في الإعلام بشتى أنواعه يحكي عن حماقاتهم حيث جعلتنا نعتقد أن حجم الشرَّ كبير، وأن أهله كثير، وتناسينا أن للخير شبابا أوفياء أقوياء صالحين، يبذلون في سبيله الجهد والوقت.

حملاتٌ تحسيسية هنا وهناك تنذر مَن مِن القوم لم يستشعر الخطر المحدق بعد، جمع للمساهمات لدفع التفكك ولإدخال الفرحة على أُسَرٍ ما لهم من مُعيل، أرامل و أيتام وكبار السن كلهم لمسوا الجانب المشرق لهؤلاء الشباب، فلنفخر بما شئنا لكن ما أوتينا شيئا نفخر به كهؤلاء حقيق أن تكتب أسماءهم بنور البصر، لا غنى لأمة عن شبابها، إنهم أملها وأساسها، فاليوم هم أقدامُها وغداً هم قادتها، لذا لا بد أن نثق بهم ونتفاخر بإنجازاتهم ونشجع المجتهد ونقوِّم المُخفِق، فنكسب الأول ولا نخسر الثاني.

هذا الذي يحصل في العالم يجعلنا نتساءل، سؤال يبادرنا بنفسه لا يمكن أن ننصرف عنه ولو شئنا، هل سيعود كما قبل الجائحة؟ فهذا لا يمكن أن “نتصامَمَ” (من الصَّمَم) عنه، فمنَ الجَليّ أن تغيرات عدة ستشهدها الخريطة الاقتصادية للعالم، علاقات دولية جديدة تُنسج وأخرى تُقطع، ولا شك أن هذه التحولات لم يستثنى المغرب منها ، فكيف لا تتبدل أحوالنا ونحن نعاين انكفاء الثقة التي غابت منذ سنوات من الشعب تجاه مؤسسات الدولة و السلط على تباينها ، فكان الشعب قبل هذا ضحية “كرنفالات” انتخابية متواصلة إلى أن شاء رب العزة ارتداد الثقة ورجوعها في ظل أزمة الوباء، شهد الشعب على الإحسان في عمل المؤسسات من اتخاذ القرارات مرورا بالوقوف عليها في التنفيذ إلى استِبانة النفع للناس فبعد انقضاء هذا المرض المتفشي سنكون قد جنينا الكثير من المحاسن بإذن الله.

آباء غنِموا بتقرّبٍ من أبنائهم وأمْسَوا يدرون بأمور كانت تخفى عليهم في الأيام العادية بسبب زحمة الأشغال وكثرة الالتزامات، وتبين أن ذلك الأب ليس كما كان يبدو قاسيا غير آبهٍ بل يخفي تلطفا ومودة فأخذ يلعب مع أبناءه بكل لين، وانكشف أن كل ما كنا نحتاجه هو بيت يأوينا مع من نحب وأن تلك الابتسامة النابعة من باطن القلب ما كانت تفتقر للعالم الخارجي لتَصْدُق.

هذا الوباء طَفِق من عوام الناس والرُتُوت سيان، فلا أحد في منجى عن آخر فعلى الكل التزام البيوت فلا تخرج من جماعة الداخلين لكي لا تكون “براقش” هذا الزمان، إلا أن “براقش” جنت على نفسها فقط فأنت بخروجك ستجني حتى على مَن تُعِز. عِشْ هذا الزمان الذي أنت فيه وتمتع به ولما يأتي وقت آخر سنستمتع به أيضا ولن نفكر أننا سنشيخ وتتسلل إلينا الأمراض والأسقام وإن شخنا حاربنا العلل بملاعبة الأحفاد.

مادام هناك حياة هناك أمل، فنرجو الواحد الأحد المعد لكل ما يتوقع الذي يرجّى للشدائد كلها لمن له المشتكى والمفزع لمن خزائن رزقه في قول كن أمنن علينا يا أ الله فإن الخير عندك أجمع ما لنا سوى فقرنا إليك وسيلة فبالافتقار إليك فقرنا ندفع ما لنا سوى قرعنا لبابك حيلة فإذا رددنا فأي باب نقرع ومن الذي ندعو ونهتف باسمه إن كان فضلك عن فقراءك يمنع حاشا لمجدك أن تقنط داعيا الفضل أجزل والمواهب أوسع وبعد ذلك ننطلق آمنين فعلى هذه الارض ما يستحق الحياة.

تقرؤون أيضاً على مدونة زوايــــــا

اسماعيل بلحس

طالب في كلية القانون و مقاول في مجال الخدمات منذ 2017 مع دبلوم في تسيير المقاولات مهتم بمجال القانون في الشق المهتم بالاعمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *