ثمن التطور

أي ثمن لأية خدمات؟

كجنس بشري، لقد نلنا أكثر من حصتنا فيما يخص موضوع التطور، لقد تطورنا في فترة وجيزة  وبسرعة البرق، فترة تمتد مابين اكتشافنا للزراعة إلى حدود الساعة، هل بالفعل هي مدة  قصيرة؟ نعم بالطبع قصيرة .. وقصيرة للغاية مقارنة مع تاريخ ظهور البشر على وجه البسيطة.

لكنني ما أنفك عن طرح السؤال التالي: ما الثمن الذي دفعناه مقابل هذا التطور؟ أ يعقل أنه مجاني؟..!لا لا يستحيل! لابد أننا دفعنا ثمنا وأغلب الظن أنه ثمن ليس بالقليل.
حسنا لنرى الأمور من زاوية مغايرة، لقد تطورنا منذ اكتشاف الزراعة، إذن ما الذي تغير عند اكتشافها؟ ما الذي اكتسبناه كبشرية ولم يكن عندنا من قبل؟ أيضا يجدر السؤال عن ما الذي فقدناه؟ وجواب هذا الأخير لابد أن يكون جواب تساؤلنا الرئيسي.

عندما تم اكتشاف الزراعة تخلى البشر عن حياة الترحال والتنقل والصيد فتبنوا مكانها حياة مستقرة، وبغية تنويع أطباقهم بدؤوا بتدجين وتربية الحيوانات، ليس من الصعب تخيل بداية هذا الأمر يكفي أن نتخيل صغيرا يرافق أباه لتعلم الصيد، بعد انقضاء عملية الصيد يلاحظ صغيرنا حملا يتبع المجموعة بعد اصطياد أمه وهو يثغو ثغاء يثير الشفقة، في أغلب الأوقات سيضاف هذا الحمل لقائمة الطعام، على أنه من السهل تماما أن نتصور الطفل يبدي رغبته في الاحتفاظ بالحمل الوديع وبما أن الصيد كان وفيرا اليوم، ينزل الأب عند رغبة ابنه الشجاع؛ بعد مدة يفقد الحمل جاذبيته فيؤكل على العشاء. ها نحن الآن انتهينا من وصفة التدجين وغالبا ما تكون باقي الوصفات بنفس بساطة وصفتنا إلا أنها تحقق نتائج خيالية. دعني أخبرك عزيزي القارئ أنه بمثل هذه الوصفة رفقة وصفة الزراعة نتمكن اليوم من الحديث عن مختلف التطورات والتقنيات كتقنية النانو مثلا….الخ.
لكن رغم كل هذا اللف والدوران إلا أننا لم نجب بعد ولو حتى عن سؤال واحد.
حسنا بعد أن أخذنا نظرة موجزة عن كيفية حدوث العملية، وكما ذكرنا سابقا فهذه العمليات المختلفة ترتب عنها الاستقرار وهذا الأخير ترتب عنه ما هو أعظم، هناك مفاهيم جديدة ظهرت للوجود، مفاهيم لم تكن معروفة قبل زرع أول بذرة أو شد وثاق أول حيوان لشجرة. هذه المفاهيم هي الملكية، والثروة، والسلطة. هذه مفاهيم كما هو ظاهر كانت في قبضة الرجال وما ترتب عن هذا كان أعظم بكثير. أولا تم استعباد النساء، فالمرأة إما أن تطيع الرجل أو تحرم من الملذات، لكن هذه لم تكن مجرد ملذات لقد كانت ضروريات الحياة وبالتالي ما للمرأة سوى الخضوع، ثانيا والأهم اختلال موازين قيم لا ننفك عن النداء بها، لقد ولد الاستقرار عدم المساواة، فعند سيطرة أحدهم على قطعة أرض كبيرة فهو يحتاج من يساعده على زراعتها وحصادها، غالبا ما كان الأبناء من يقومون بهذا العمل، لكن عملهم هذا يخلق ثروة أكبر من ذي قبل أي حاجة أكثر للمساعدة أو كما نسميها اليوم باليد العاملة، وأولئك الذين لم يحالفهم الحظ في السيطرة على قطعة أرض لا يجدون أمامهم سوى مشاركة من لهم قطع كبيرة أو هكذا خيل لهم. باختصار، هذه اللحظات شهدت ولادة العبودية.
سواء عبودية المرأة لزوجها أو عبودية الجار الفقير الذي لا يمتلك شيئا لجاره الغني الذي يمتلك الأرض والحيوانات. هنا ظهر لأول مرة الانقسام إلى طبقات. رسب إلى القاع الرجال الذين لا ملك لهم، وأجبروا على العمل عند جيرانهم الأغنى. وهؤلاء الجيران إضافة إلى جمعهم الثروة فقد جمعوا لديهم الكثير من عبيد النوع اللطيف، لقد احتكروا النساء أيضا. لقد غدت الثروة والسلطة الشيئين الوحيدين المهمين الآن، وحلا مكان فضائل مجتمع الصيد الذي كان يوما يعبد الأنثى لا يستعبدها.
ها نحن الآن نرى الصورة الكبرى، نرى كيف أن تطورنا كان على حساب انهيار مفاهيم كالمساواة والعدل. وها نحن اليوم ننادي بهاته المفاهيم، فالمرأة تنادي بالمساواة والفقير ينادي بالمساواة، إننا ولليوم ما زلنا ندفع ثمن تطورنا، ألم أقل لكم أنه ليس بثمن بخس أبدا؟! إلا أنه ما يثير الإعجاب حقا أن التطور الذي ندفع ثمنه يساعدنا يوما بعد يوم على التهرب من أداء الضريبة.

علي الفيلالي

تلميذ علوم تكنولوجيا كهربائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *