لونجين

في حضرة الضمير

لقد جمع الشيطان بيننا في تلك الليلة، أكانت أول مرة تشرب فيها ؟ أهي أول مرة ؟ لا تكذب …
هل تعلم ! ليست كل الشياطين مصيرها الجحيم، هذه الجملة عبرت برأسي مئات المرات وأنا أرقد جنبك حينها، ثم ما ذنب الشيطان إن كانت عاطفتنا طائشة إلى هذا الحد، هو سلوك إنسان لا يستطيع أن يسيطر على اندفاعاته، فحماسه في تلك اللحظة أقوى حتى من تهديد الفقيه بالنار والعذاب، إنها مسألة طبيعة إنسانية ساقطة حذت حذوها، لا دخل لمعتقداتنا في ذلك.

حسناً ! دعنا من هذا الكلام الآن سأخبرك شيئاً؛ في تلك الليلة بالضبط عندما استولى علي النوم رأيت حلماً غريبا، حلمت أنني كنت في أرض محرمة، هي أرض مغمورة بالحياة، سهول خضراء، شلالات تتدفق من المرتفعات وأنهار بمياه زرقاء صافية. كان هناك أناس لكنني متأكدة من أنهم لا ينتمون لعالمنا هذا، البساطة طاغية على لباسهم والابتسامة لا تفارق وجوههم، كانوا يتواصلون دون كلام ويتعاملون دون أوراق، أما العقود فتبرم هناك بأكواب الشراب والتعاهد بالشرف فقط، أنا أتحدث عن الكمال الحقيقي .
أعتقد أنني قضيت الشهر أو مايزيد عن ذلك في تلك الأرض، إنه حلم، نحن لا يمكننا التحكم في التسلسل المنطقي للأحلام.
حدث في يوم، وهذا كان آخر أيامي هناك، أن شاهدت الجمع يحتشد في ساحة واسعة، اندمجت في الزحام فإذا بي أرى امرأة عارية تجر من عنقها المكبل بالسلاسل والأغلال، كانت نحيفة للغاية وحافية القدمين، هل تصدق هذا؟ لقد كانت أثداؤها جافة هزيلة لدرجة أن رياحاً ليست بالقوية قد تحركها، تماماً كشجرة شاحبة أرهقها جفاف الصيف الحار، لكن الأشجار عادةً مايزورها الربيع ليعيد لها الحياة، أما تلك الأثداء فيستحيل أن تتورد مرة أخرى.
كانت تقاد للمقصلة وسط تصفيق الجمهور، حاولت تقليد الحشد والتصفيق مثلهم مع أنني كنت أجهل ذنبها، فنحن عادةً ما يحلوا لنا تقليد العامة ونتلذذ بشقاء الآخرين وضعفهم، يشعرنا هذا بنشوة الانتماء، إنها نشوة حقيرة تزول بسرعة بل وتتحول الى عذاب في الضمير.
ثم ما إن هممت التصفيق حتى اكتشفت أن يداي متعرقتان نحيلتان، وأحسست بالتنورة السوداء التي كنت أرتديها تكبرني بكثير، سرعان ماتفقدت أثدائي فلم أجدها في مكانها. قد تعتقد أن الحلم انتهى هنا واستيقظت بعدها مفزوعة غارقة في الدموع، لا لم يحدث هذا. وقد تعتقد أيضاً أنني أختلق هذه الأحداث لأنني تماديت في ذكر بعض الحيثيات كأنه فيلم، أقسم لك أنني لم أكذب في شيء، إن القصص التي يعيشها المرء على هذا النحو في الحلم قد يتذكرها لزمن طويل جداً وقد لا ينساها قط.
المهم ! دعني أكمل لك سرد ما بدأت ثم في النهاية لا تصدقني إن شئت. في إحدى تلك اللحظات وجدت نفسي مكان تلك المرأة العارية، بل أنا من أصبحت عارية أنذاك. لقد كان المشهد من على المقصلة مريعاً يقبض الأنفاس، رأيت الزحام الذي كان يبتلعني؛ أناس ممتلؤون بالغضب، ظهرت همجيتهم فجأة، كان يقرأ في وجوه بعضهم عبارة “هيا خلصونا لقد أعيانا الانتظار”، قد اختفت براءتهم  سذاجتهم تماماً أؤكد لك ذلك، لكنهم لم يكونوا سوى جزء من سيناريو يكتبه جلاد الوجود بكل مكر وخداع، والحق أنني كنت قبل قليل أنتمي لهم، وهذا كان يحدث في نفسي حزناً عميقاً أكثر ألماً حتى من كمية الهتاف الذي يزداد صداه تحمساً لرؤية دمائي، ومع ذلك يدرك المرء أننا أحياناً نحتاج فقط تغير زاوية الرؤية كي نرى حقيقتنا تحت القناع .

ها قد انتهى الحلم، لم ينفذ الحكم على أية حال فقد استيقظت قبل ذلك، أخبرني الآن هل كان كابوسا ؟ أأستحق الجلد ؟ ربما كانت إشارة من الرب كي لا نعود لمثل هذه الأفعال.
أرجوك ! دعنا فقط نتوقف عن الاسترسال في هذا الحلم، أنا أتكلم عن الحلم الذي نعيشه معاً، فنحن لا نعرف كيف نتدبر هذا؛ لا أنا ولا أنت، أعترف أنني ارتكبت شيئاً من الطيش والخفة ذلك المساء، كان هذا خطأ، سأذهب إلى الكنيسة فأشعل شمعة بمشاعر صادقة ثم أطلب الصفح والغفران، أنا لا أقلل من معتقداتك فأنت أيضاً يحق لك ذلك، إستمر في إيمانك حتى النهاية، سأصلي لك.
قد نلتقي في يوم ما، فالتشرق شمس الحق يومها ولتكن السماء صافية نقية، فأنت لا تحب الضباب، نعم صحيح الكل يكره الضباب، أنذاك سنتحدث عن جمال الله في خلقه وعن سره … أعدك.

رسمة المبدع : Abdo Wgih

Exit mobile version