لحظة تأمل

رحلة بحث عن الراحة النفسية

أقبل الفجر، ولم أنظر إلى اليوم الجديد كعادتي، لم أكن مطمئنة النفس قريرة العين، كنت في أشد الحاجة إلى خلوة مع نفسي لبضعة أيام، لا أعرف ما الذي حل بي في هذه المرحلة من حياتي، فهذا الجو الذي يحيط بي خانق ولم أعد أحتمله. دعوت الله كثيرا بأن لا يحملني مالا أطيق لأن نقطة الماء التي قد تفيض كأسي أوشكت على الاقتراب.

أعصابي مرهقة تثيرها نسمة الهواء، كثرة الهواجس تفزعني، تثقل كاهلي وتزيد نفسي قلقا واضطرابا، تتزاحم في مخيلتي كل الأحداث التي كسرتني بعد عدة كدمات تلقيتها من الحياة.
تحوم حولي تساؤلات تقض مضجعي، أيعقل أنني ضعفت مجددا أمام نفسي؟ أيعقل أنني القوية التي لا تهتز رغم مرارة الحياة تذرف دمعا يحرق خدها الفتان؟
لم أشعر في حياتي بتضاؤل كبريائي أمام نفسي مثلما شعرت به هذا اليوم، لقد شعرت بنفسي -أنا المتعالية المعتزة بنفسها- صغيرة ضئيلة محتاجة إلى كلمة عطف تسند ضعفي وتسكب ماء الطمأنينة على قلبي، أو ضمة تنسيني الدنيا وما فيها. فكلما حاولت أن أسكن من وساوس نفسي سقطت مرة أخرى مدعية أنني لست بحاجة للمساعدة تهربا من نظرة الاستضعاف أو الاستصغار.

الساعة الأن تشير إلى الواحدة زوالا، سحبت نفسي إلى الشاطئ المجاور لبيتنا رغم حظر التجول وحالة الطوارىء الصحية التي تمر بها بلادنا، كان المكان فارغا أكثر من روحي المثقلة بالذكريات؛ استنشقت هواء البحرحتى امتلأت به رئتاي وصدري مقتنعة بأنه هو الترياق الناجع لعلتي التي لم أجد لها إسما.. أغمضت عيناي واستنشقت الهواء الرطب الذي يذكرني بطفولتي، فأحسست بانتعاشة في قلبي ترفع عنه ثقلا أهلكه، تمددت على الرمل ليكون صدري أكثر استقبالا للهواء؛ تارة أنظر إلى الأفق الممتد إلى السماء وتارة أخرى أنظر إلى صغر حجمي أمام ملكوت الخالق.
مرت ساعة وأنا على هذه الحال، أتفكر وأتدبر في الملكوت ثم أقارنه بما أحس. شعرت فجأة أن أعصابي المنهارة التي كانت تتحكم في وجودي بدأت تهدأ شيئا فشيئا.

اقترب مني شرطي لا يتجاوز الثلاثين من عمره، سألني بكل لباقة وأدب عن سبب تواجدي هنا. أجبته مبتسمة: لا أعلم !.. فالشئ الوحيد الذي أدركه هو أنني بحاجة إلى قسط من الراحة، لانني أشعر بالتعب حقا!
نظر إلي وعلامات الاستغراب واضحة على قسماته، فقال: يبدو أن وجهك شاحب وملامحك متعبة وكأنك قضيت زمنا طويلا في كهف مظلم! أجبته بصوت خافت لا يكاد يسمع: بالفعل!.. أبحث عن مخرج ينير دربي ويرفع عني ستار الحزن، ثم انسحبت من حديثنا بهدوء.
لم يكن أمرا يسيرا أن أرحل عن جمال الطبيعة من حولي، لكن لا بأس..!
وصلت البيت وأنا غارقة في تفكيري، كيف لي أن أتخلص من هذا الشعور الذي لا أعرف مصدره ؟ قد تكون نفسي استرجعت هواجس ماض قاست فيه أهوالا وانهزمت فيه ثم ما لبثت تنهض حتى انهزمت مرة ثانية لكنها انتصرت  بعد دفاع طويل .

أغرقت نفسي في قراءة الكتب دون توقف وبدون كلل أو ملل، لأنني كلما رأيت نفسي تنغمس في جحر الحزن أو عندما تهيج الذكرى أشجاني، استعنت بالكتب بغية سفري مع كل رواية أقرأها لكي لا أدع لنفسي فرصة للتفكير بل الستمتاع بما أقرأه وفقط.
أقبل المساء، وأرسل القمر بضوئه الجذاب معاني النعيم إلى صدري، فاستراح ذهني بتأمله، كان بدرا كاملا؛ لجأت إلى نفسي متحدثة معها بصوت مسموع عن الماضي ودروسه والحاضر وما أتعلم منه، أما مستقبلي تركته بيد مبدع السموات والأرض، حينها شعرت براحة نفسية تنسيني ما أشرد ذهني هذه الفترة المرهقة.
عندما ناجيت الله بما أحس وأنا أمام  القمر المضيء الذي لا تعرف العين له بداية ولا نهاية، اكتشفت أن كل شيء في أنفسنا يبدو مبهما أمام أعيننا لكنه واضح أمام بصيرة تستغيث خالقها ساعة ضعفها.

استشعرت معية الله  لي وقربه مني عندما كشفت عنه غطاء ضعفي أمام نفسي، حسبت لحظتها أنني استنبطت أسرار الكون وعرفت ما لا يعرفه الآخرون الذين لم يذوقوا بعد مرارة الضعف والأحزان

رحاب الحمزاوي

طالبة القانون و الهندسة الإجتماعية. فاعلة جمعوية. مؤسسة و رئيسة جمعية غمرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *