تغر تضر وتمر

إيمان بالقدر خيره وشره

أتذكر كيف كان العالم جد وجل من هذا الوباء ؟ أتذكر كيف سيطر الخوف على عامة الناس؟ وكيف كان من الصعب على الإنسان أن يستوعب فكرة المكوث في البيت؟ أتذكر كيف كان من الصعب على النفس أن تمتنع عن كل ما هو مألوف؟ وكيف كان من العسير أن تتقبل فكرة التوقف عن المصافحة والسلام ؟ أتذكر؟!

ثم ماذا ؟ ثم بدأ يتناقص الخوف شيئا فشيئا وأصبحت تعتاد على نمط حياتك الجديد بكل نواقصه وتقتنع أن دوام الحال من المحال. وبعدها تأخذك سيرورة الحياة بسلوكياتها وأساليبها الغير المعهودة فتعتادها لتصير جزءا غير مجزأ مما أنت الآن عليه. فإذا ما سألك شخص ماعن أحوالك تجيب بكل عفوية الحمد لله على كل حال!

لم يعد الآن عدد الحالات المتزايدة ولا الضحايا يصدمك بل صار أمرا عاديا وواقعا معاشا، جعلك تستسلم للقدر خيره وشره وتسلم أمرك لبارئه، على أمل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه أو أحسن. تألف فجأة وضعك الحالي لدرجة تجعلك تستغرب حياتك السابقة، تسأل نفسك أفعلا كنت أفعل كذاوكذا؟! وكيف اعتقدت أنني لن أستطيع ترك أشياء والاستئناس بأخرى ؟ تستغرب لانك تاقلمت،ربما كان الامر صعبا نوعا ما في البداية  لكنك صمدت.

هكذا كنت تظن وهكذا هي الحياة، تعلمك دائما!.

كل أمر يَغُرّ، يَضُرّ ثم يمُرّ، مهما كان وكيفما كان، تظن أن الأمور والمشاعر والظروف حولك ثابتة ثبوت الجبال لكن سرعان ما تكتشف على مرور الأيام أنها ليست كذلك، أنها متقلبة تقلب القلب تميل بين قبح وجمال بين خير وشر وبين فرح وحزن.

يكفيك من الأحزان موت عزيز لتستشعر تفاهة هاته الحياة وغدر صديق لتكتشف معنى الخذلان وطعن قريب لتتذوق الوجع، ويكفيك من الأوبئة فيروس بحجم حبة خردل أو أقل لتتأكد من حقيقة الدنيا .سذاجة رغباتك ،آمالك وآلامك وقيمة ما كنت عليه!

تتوالى الأيام، تتغير أشياء وتتغير أنت أيضا، تعيد النظر في أشياء كثيرة وتعاود ترتيب أولوياتك لم تعد رغباتك كما كان عهدك بها، تصبح امنياتك القديمة جافة جدا. معارف الأمس غرباء اليوم، بجانبك أناس معرفتك بهم حديثة العهد لكنها ذات معنى، فقد أخذت من الوقت ما يكفي لانتقاء بين من سيكمل المسير معك ومن لم ينل شرف سلك هذه الطريق الذي بدأت عبوره منذ زمن بعيد.

يرتفع مستوى أمنياتك وينخفض مستوى توقعاتك فتشعر بالرضى والسلام الداخلي فلم تعد تسعدك تلك الأشياء التي لطلما خُيل لك أنها مصدر فرح وبهجة وسرور…الآن أشياء جد بسيطة تعطي لحياتك معنى الحياة؛ بسمة صادقة، نظرة عابرة أو دعاء أحدهم بظهر الغيب … أشياء لا تحتاج إلى الكثير فقط صدق الشعور، فالمعارك الضارية التي خضتها كانت كفيلة لجعلك تجيد التمييز بين شعور زائف وآخر حقيقي …

الآن أصبحت تستشعر قيمة النعم تحمد الله على كل شيء كيفما كان تتيقن أن أمره كله خير فترضى بما كتبه لك لا تريد شيئا سوى السلام، السلام الداخلي الذي ليس له ارتباط بأحد بل بالواحد الأحد.
تستغرب، لكن أتدري عزيزي القارئ ما الذي تشعر بها لآن؟ ..هذا هو اليقين الذي يبثه الإسلام في قلوب أهله.

تغر تضر وتمر

فاطمة الزهراء أوداد

إطار في شركة تأمين حاصلة على ماجيستير في المالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *