كيف سنواجه “اللاعقلانية” العربية 5

عوامل أزمة العالم العربي الفكرية

لقراءة الأجزاء السابقة:

الجزء الأول      الجزء الثاني      الجزء الثالث       الجزء الرابع


والغريب في الأمر هو أن الأرض العربية –حاليا- ملطخة بالدماء، والفكر تآكل في المكتبات والعقول التي نرجو أن تحقق “العقلانية” قد زعزعت الغارات كينونتها وباتت تهدد بقاءها. والأكثر غرابة هو هذا البحث المتواصل عن الحرية وهذه الرغبة الجامحة في التخلص من الدين، الأخلاق، الآخرة، الموت…
والجدير بالذكر أن “تعرف الفكر العربي على العقلانية كان إثر لقائه بالغرب”، أي وقع هناك احتكاك نتج عنه هجرة المفاهيم وترحيلها بغية إسقاطها في ما هو ليس سياقها أو أن مرحلها لم يكن جديرا بتحويلها وتبسيطها بطريقة غير جذرية -أي لا تنفي كليا القيم السائدة- وبالتالي يجب ألا تكون دغمائية، قطعية، متشددة.
لا بد من أن نذكر بما تناولناه في الأسطر السابقة، والذي كانت كل الأسئلة المنبثقة منه مجرد آراء فلاسفة عرب وغربيين، ومحطات تاريخية كبرى من قبيل الثورة الفرنسية وحرب حزيران حين هزم العرب عسكريا ضد إسرائيل، وانتقال العلمانية إلى العالم الإسلامي واصطدامها بالأصوليين، وتأثير الفكر الغربي على الثقافة العربية الإسلامية ، وتخبط المثقف العربي في بحور التقليد والتبعية، وكانت هذه المحطات التاريخية بمثابة فرصة للغرب للحكم على العرب باللاعقلانية وبالقصور الذهني وبالتخلف والركود.
وأسفر عن هذا الوضع، توالي الصراعات الأيديولوجية، الحروب -خصوصا في الشرق الأوسط- والهجرة واللجوء السياسي الذي أصبح ظاهرة العصر. وبغض النظر عن المشاكل السياسية التي لها جذور أيضا، يكون دور المثقف أحاديا، يكتفي بالتدوين بغية بناء تاريخ معين والذي لا جدوى منه في ظل عدم الاستقرار الذي تشهده البلاد العربية.
نحن في حاجة إلى بناء مجتمع عربي ليس همه الوحيد الانتقام من الماضي أو الثورة عليه، هكذا بينا كيف يجب التعامل مع مفهوم الأزمة في العالم العربي. حيث أن هذه الأخيرة هي نتاج لتضارب غير منطقي بين العرب والعرب، فالقبيلة و الطائفية وتعدد المذاهب لا محال هو تكديس للعداوة وتحفيز للتفرقة.

وهذه المشاكل كونها تدور في بلاد مشتركة تاريخيا وثقافيا ودينيا، ترسم في سماء العالم نوعا من الأحكام المسبقة إزاء العرب، وهم منغمسون في الحياة اليومية يطمحون للتحرر والثراء، نافين بذلك الدور الذي قد أنيطوا به؛ تحقيق العدالة الاجتماعية وفقا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، والوقوف على مكامن الضعف في التأويل والتأريخ والعمل العقلاني.

واضحة هي أزمة العالم العربي: إنه يظن أن الوقت قد فات لبداية عقلنة وجوده، وما يزال يرى في العلمانية طريقا للنجاح متخليا بذلك عن الدين، وما يزال يشيد بالنموذج الغربي المادي مقابل إهمال القيم والأخلاق والفلسفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *