التغيير سمتنا الوحيدة التي لا تتغير

حين يغدو التغييرُ ثابتاً من ثوابتِ حياتنا

فعل عكس ما قلناه سابقا ليس أمرا مشينا يستحق اللوم والعتاب من الآخرين لنا، ذلك لأننا نتطور ونعيش أحداثا جديدة كل يوم وكل ساعة. في كل ثانية آلاف السيالات العصبية تتدفق في دماغ كل فرد منا حاملة معها أفكارا قد تناقض الأفكار التي أنجبتها الثانية التي سبقتها وهذا ليس بالأمر المريب أبدا، فكما يسقط راكب الدراجة الهوائية إذا توقف عن تحريك الدواستين نحن نتوقف عن الحياة إذا ما توقفنا عن التغيير، فالتغيير سمتنا الوحيدة الثابتة التي لا تتغير.

لطالما فعلت ما أقسمت منذ ستة أشهر أني لن أقربه، آمنت بفكرة كنت قبل أسبوع من أشد معارضيها، فمَع سيرنا في الحياة نرسم طريقنا الخاص الذي قد يكون تارة معبدا وتارة أخرى مليئا بالأوحال؛ في رحلتنا هذه نقابل أناسا كثرا، ومع كل شخص نقابله يتغير شيء فينا، بل حتى الحيوانات والنباتات والجمادات فتفاعلاتنا معها أو مجرد رؤيتنا لها قادرة على قلب حياتنا رأسا على عقب، نحن نتعلم ونكتشف أسرار هذا الكون الضخم باستمرار، كل سر يفعل فعلته فينا ويغير من أفكارنا، تصرفاتنا، أساليبنا، لغتنا، مشاعرنا وقناعاتنا أيضا، فلم اللوم إذن؟ لم اللوم عندما نفعل عكس ما قلناه سابقا؟ لم اللوم إذا كان قرارنا في الابتعاد عن ذاك الشيء قرارا غير صائب؟

مزاجنا يتغيـر، هل يتوجب أن ننفذ جريمة قتل فقط لأننا توعدنا بها علنا في لحظة غضب؟ أن تشتري لابنك تلك اللعبة المكلفة رغم أنك تعاني أزمة مالية وقد يتم طردك من المنزل الذي تكتريه؟ أن تستمر في زواجك بامرأة تبين أن السكون إليها أضحى مستحيلا فقط لأنك أقسمت يوما أمام العالم أنك لن تتركها؟

أجل؛ هناك اعتبارات للماضي في القرار، ولكن ليس على حساب مستقبلنا، لا لشيء إلا لإرضاء كبريائنا الزائف ورغبتنا الجامحة في المثالية الأفلاطونية. لا يجدر بنا صراحة أن نتقيد بكل ما نقوله سابقا فقط لأننا قلناه ولأن الناس سمعوه ولأن سمعتنا ستتدهور وسيقولون فلان متناقض ويقول ما لا يفعل…
التدهور الحقيقي هو معرفة الخطأ والاستمرار فيه خدمة لماض كنا نجهل فيه الكثير، خدمة لأشخاص لن يتحملو معنا نتيجة غلط ارتكبناه عن دراية وعلم إرضاء لجهلهم بحقيقة أن التغيير يفرض نفسه والتطور في الأفكار أو حتى مناقضة الماضي أمر وارد لا محيل عنه، أو إرضاء لكبرياء نابع من علقة سوداء بالقلب تقدس نظرة الآخر إلينا أكثر مما تقدسنا نحن العارفين بحيثيات أمورنا.

خديجة المالكي

طالبة بشعبة الصيدلة بكلية الطب و الصيدلة بالرباط و بشعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، كاتبة و فاعلة جمعوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *