السماء قرآني الثاني

عن بعض الإعجاز في السماء

أغرقنا لله تعالى في فيض خيراته ونعمه، ولعل أجمل هذه النعم -شخصيا أعتقد أنها أهم نعمة بعد الصحة – هي متعة النظر إلى السماء، التي يتشكل فيها بديع الصنعة الإلهية من قمر وشمس ونجوم وسحاب.

فمن ذا الذي لا تأسر السماء قلبه وهي زرقاء صافية، وهي ملبدة بالغيوم، وهي متقلبة الحال والأحوال! ومن ذا الذي لا يجول ببصره في السماء متأملا عظمة الخالق في خلقه ولا تفتح شهيته على السؤال والخيال، ومن ذا الذي لا ينفرط قلبه فرحا عندما يرى قمرا منيرا، شمسا مضيئة، نجوما لامعة وسحبا مؤلفة.

روعة هذه الأحاسيس وجميل هذه المعاني والصور تبثها لنا الآية الحادية والستون من سورة الفرقان بقوله تعالى: {تَبَٰرَكَ اَ۬لذِے جَعَلَ فِے اِ۬لسَّمَآءِ بُرُوجاٗ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجاٗ وَقَمَراٗ مُّنِيراٗۖ}٠

وفي نفس هذا السياق الإعجازي التصويري القرآني، توجد آية خالدة في ذهن العديد منا، كيف لا ونحن قد حفظنا سورتها عن ظهر قلب لانسياب كلماتها وقافيتها الرائعة رغم قصر معرفتنا بعجائب معانيها؛ إنها بلا شك  سورة الرحمان!  ففي الآية الثالثة من هذه السورة يلخص المولى عز وجل دورة فلكية عظيمة بين الشمس والقمر بقوله تعالى :{اَ۬لشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٖۖ}.

فهل تعلم أن كتلة الأرض تساوي أكثر من واحد وثمانين مرة كتلة القمر، وهذه الكتلة مناسبة حتى تستطيع الأرض جذب القمر إليها بقوة وتتغلب على جاذبية الشمس له، رغم أن هاته الأخيرة أثقل من الأرض بأكثر من 330000 مرة.. واختيار الكتل نقطة مهمة جداً للحفاظ على تماسك الأرض والقمر، وإلا لانفلت القمر من مجال جاذبية الأرض وابتعد إلى غير رجعة.

وتقدر المسافة المتوسطة بين الأرض والقمر بأكثر أو بأقل من 384000 كيلومترا، وتختلف هذه المسافة على طول  أيام الشهر، وهي  مسافة مناسبة ليبقى القمر قريباً من الأرض، وحتى نضمن استفادتنا من جاذبيته في المد والجزر،  وكذا من نوره أيضاً في الليالي الحالكة الظلام.

 سبحان الله، لو كان القمر أقرب إلى الأرض مما هو عليه لظهر لنا بشكل كبير ومرعب، ولو كان أبعد مما هو عليه  لظهر مثل نجم خافت. اختيار المسافات والكتل جاء دقيقاً جداً لاستمرار وجود الأرض والقمر، والأهم استمرار وجود الحياة على الأرض؛ وهذه المعلومات العلمية والفلكية تؤكد أن تصميم الله لهذا الكون ليس مصادفة وإنما بحسابات مقدرة ومحسوبة.

أتذكر أنني مرة وضعت على حسابي الشخصي في تويتر والانستغرام صورا للسماء بمختلف مناظرها وقد التقطتها بمحمولي من مواقع مختلفة، وعلقت قائلة: “قد تكون سبحان الله التي نطقت بها عندي نظري إلى السماء وانبهاري بهذه المناظر البديعة أصدق من تسبيحات قلتها في إحدى صلواتي وأنا شاردة”… لكم أن تتخيلوا كم التعليقات والرسائل التي تلقيتها بين من يطالبني بأن استغفر ربي على ما كتبته وبين من قال أنها علامة بداية الإلحاد ..

حينها تذكرت مقالا للدكتور مصطفي محمود يحكي فيه عن قصته مع الفلك، حيث كتب: “كانت السماء هي القرآن الثاني الذي أطالعه من خلال المناظر الفلكية.. وحكايتي مع الفلك ومع المسجد ومع الصلاة  شيء واحد”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *