نور على نور

لغز القرآن

من بين 6236 آية قرآنية -دون احتساب البسملات- تكاد تكون الآية التي سنتطرق إليها اليوم هي الآية التي وقع في عشقها ملايين المسلمين وأجمع الأغلبية على أنها تستوقفهم كثيرا عند تلاوة القرآن وتظل محفورة في أذهانهم لبلاغة كلماتها ومعانيها؛ وقد لاحظنا نحن فريق زوايا ذلك عندما كنا بصدد إعداد هذه السلسلة الرمضانية، حيث اقترحها جميع القراء الذين تواصلنا معهم دون استثناء.

إنها الآية التي تشع نورا وبلاغة، جمالية وإعجازا، إذ يقول الله تعالى في الآية 35 من سورة النور: {اَ۬للَّهُ نُورُ اُ۬لسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِۖ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٖ فِيهَا مِصْبَاحٌۖ اِ۬لْمِصْبَاحُ فِے زُجَاجَةٍۖ اِ۬لزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٞ دُرِّيّٞ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٖ مُّبَٰرَكَةٖ زَيْتُونَةٖ لَّا شَرْقِيَّةٖ وَلَا غَرْبِيَّةٖ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِےٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٞۖ نُّورٌ عَلَيٰ نُورٖۖ يَهْدِے اِ۬للَّهُ لِنُورِهِۦ مَنْ يَّشَآءُۖ وَيَضْرِبُ اُ۬للَّهُ اُ۬لَامْثَٰلَ لِلنَّاسِۖ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَےْءٍ عَلِيمٞۖ}.

اختلف أهل التأويل في معنى المشكاة والمصباح بين من يقول أن المقصود بهما هو قلب المؤمن الذي يشع نورا، ومن يقول أن المشكاة مقصود بها القنديل. وإن اختلفت التأويلات والتفسيرات فإن ذلك لا يمنع أن الله أراد من خلال هذه الآية أن يعطينا مثالا تقريبيا عن نوره الحسي والمعنوي؛ فالنور الحسي يتمثل في نور السماء من شمس نهارا وقمر ونجوم ليلا، والجميل في هذا النور الحسي أنه يشع على الجميع بتساوٍ. أما النور المعنوي فهو نور الهداية ونور القرآن وأحكامه، وهو النور الذي قد ينير قلوبا ولاينير أخرى !

نور على نور.. أعظم مقطع من آية أثنى عليها الجميع .. نور على نور، أميل إلى أنه نور الداخل على نور الخارج .. ومن نال أنوار البعدين معا فقد نال الهناء والطمأنينة، ولا يمكن أن ينال منه أي ظلام.

أما فيما يخص ذكر شجرة الزيتون، فقد أثبتت التجارب أن نار زيت الزيتون من أكثر الأشياء نورا على وجه البسيطة! ورغم عدم وجود تفسر صريح واحد لهذه الآية الإعجازية إلا أن إعجازها هذا هو سر أسرها لقلوب الملايين من المسلمين، لانها تترك انطباعا جميلا روحانيا يسمو بالقلوب وتهفو له الأفئدة.

ختاما، أتذكر أن هذه الآية الكريمة كانت ضمن مقرر السنة الثانية من السللك الإعدادي، حينها أحببتها رغم أني لم أستوعب جيدا ماكانت تشرحه الأستاذة بخصوصها، أحببتها لأنها أبرزت لي جمال لغة الضاد، ذلك التشبيه الذي لا يصح معه القول سوى أنه إعجازي، شيء من السماء لا طاقة للوعي باستيعابها، شيء يجعل العقل يتنحى جانبا تاركا المجال للقلب لوحده .. كنت ألقيها في سري وكأنها قصيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *