قراءة طبية لمساطر صعوبات المقاولة

تفكيك للمراحل الوقائية والعلاجية، القبلية والبعدية

تطور علم الطب فتطور تزامنًا معه علم القانون، فأصبحت النصوص تنبت بذورها في نظرة تشريعية مستوحاة من العديد من المجالات، مستخدمة في خلفيتها العديد من الاختصاصات والعلوم.
ففي زمن كان الطب فيه ليس كما هو عليه الحال الآن، وكان المرض الفتاك مصيره موت حامله لامحالة، كانت وقتها المقاولات المتوقفة عن دفع ديونها مصيرها مصير المرض الفتاك، في إطار ما كان يعرف بنظام الإفلاس، فتغل يد المدين ويحجز على مقاولته وأموالها، ليأتي أجلها وتلفظ أنفاسها. قال تعالى في سورة الأعراف: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ اَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ اجَلُهُمْ لَا يَسْتَٰخِرُونَ سَاعَةٗۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَۖ} (الآية 32)
تطور الطب وظهرت أنواع جديدة من الأدوية الصالحة لعلاج أمراض فتاكة كانت في الماضي القريب إعلانا على الموت القبلي للإنسان، والإسراع للعبادة لعل اللهَ يُحدث بعد ذلك أمرا، وتطورت مع ذلك نظرة الشارع التجاري للمرض الفتاك الذي قد يصيب المقاولة ويجعلها مختلة بشكل لا رجعة فيه، فأصبحت لمشرعنا نظرة طبية وقائية وعلاجية لهذا المرض، تحمل في خلفيتها فلسفة علمية طبية دقيقة، فجاء بمساطر قبلية تقي من شر هذا الوباء الفتاك، وبعدية تعالجه، ونهائية تساير موت المقاولة وانقضاءها.
هذا المرض الفتاك يتمثل في توقف المقاولة عن دفع ديونها، أما الوقاية منه فتتمثل في الوقاية الداخلية، من خلال محاولة شخصية ودية للجسم مع نفسه، لإيجاد حل يفي بالغرض…، ليتدخل بعد الفشل، حكيم الجسم ورقيبه في شخص رئيس المحكمة، فيتخذ مايراه مناسبا من تعيين للوكيل الخاص في إطار ما يسمى بالوقاية الخارجية، أما المصالحة فهي محاولة من هذا الحكيم الرقيب لإيجاد حل وقائي يخرج الجسم من ملامح الوصول للمرض الفتاك، فيعين مصالحا مهمته إيجاد حل ودي مع الأعضاء التي تضررت من وضعية الجسم وقد تزيد في تفاقم الداء، وأتحدث هنا عن الدائنين، لننتقل في حالة الفشل إلى مسطرة الإنقاذ كأبرز مستجد جاء به القانون 73.17، وصفة طبية أخذناها من فرنسا، رغم الاختلاف البيئي والتباين الجسمي والتفاوت اللوجيستيكي؛ فيتم من خلالها إعداد الحل واختياره من طرف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، رغبة منهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه ونحن على مشارف السقوط في الوباء الخطير.
كلها مساطر وقائية جاء بها المشرع لوقاية المقاولة من مرض التوقف عن الدفع، فقد صدق من قال: “الوقاية خيرٌ من العلاج”.
أما وإن قدر الله قدره وكتب البأس على الناس، فسقط الجسم في المرض الفتاك وسقطت المقاولة في التوقف عن دفع ديونها بمفهومه الحديث الذي كرسه القانون 73.17، فإننا في هذه الحالة نكون مضطريين إلى إدخال الجسم المصاب إلى غرفة العمليات لنعالجه، ونجد حلا طبيا لمرضه، وذلك عبر ذوي الخبرة والبصيرة، طاقم طبي يتميز بالتنوع التخصصي، من سنديك وقاضي منتدب ومحكمة، وأي خبير يمكنه مساعدتنا لإيجاد حل ووصفة طبية تفي بالغرض، وتشفي آلام الجسم المقاولتي من وباء التوقف عن الدفع.
لكن ذلك ليس بالهين واليسير، لأن الخطير في هذا النوع من الداء هو أنه يحتمل حلين طبيين لا ثالث لهما، وصفتين طبيتين يعد ذوو الاختصاص تقريرا لاختيار واحدة منهما، الأولى تتمثل في وصفة مخطط الاستمرارية، أما الثانية فتتمثل في وصفة مخطط التفويت، فتعد الوصفتان ويختار أحدهما، فإن كللت بالنجاح استعاد الجسم عافيته، أما وإن كان نصيبها الفشل، إما بسلوكها وعدم نجاعتها، أو أن وضعية الجسم المقاولتي كانت مختلة بشكل لا رجعة فيه، وكان المرض الفتاك فتاكا بمعناه اللغوي والاصطلاحي، فلا محيد لنا من الوصول لموت هذا الجسم وانتهاء صلاحيته، فتغل يد المدين وتسقط صلاحيته في التسيير والإدارة والتصرف، فيموت الجسم وتموت معه المقاولة بالتبعية، ليجتمع الناس لعزائها، منهم من يتأسف لفراقها؛ والحديث هنا عن أصحاب المصالح فيها، ومنهم من يتساءل عن وضعيته بعد موتها؛ والحديث هنا عن الأجراء فيها، ومنهم من يتلذذ في اقتسام أموالها قسمة الغرماء كإرث لهم؛ والحديث هنا عن الدائنين، ومنهم من يتمتع بالأثمنة المناسبة للمزاد العلني الواقع على أموالها، لينطبق عليهم المثل القائل “مصائب قوم عند قوم فوائد”.

هي محاولة متواضعة في المرور بشكل عام ومقتضب على أهم المراحل التي تمر منها المقاولة في إطار مساطر الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، بنظرة طبية، وبعد وقائي وعلاجي، خروجا عن ماهو تقني من جهة، ونظري من جهة أخرى، مع الإشارة إلى أن هذه المراحل قد تم المرورعليها بشكل عام وسطحي وعابر للفهم الأولي العام لها، ثم بعد ذلك التعمق والوقوف على دلالاتها بدقة و تعمق.

قراءة طبية لمساطر صعوبات المقاولة

فخصي معاد

محام متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء طالب باحث ناشط حقوقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *