الحب أم الإستقرار

قصة قصيرة

جميعنا أحببنا وتعلقت قلوبنا بمن هم من طينة أخرى مختلفة عنا، فجعلنا هذا التعلق نؤمن بأن الله لا يجمع سوى المختلفين، شققنا طريقنا سويا، طريقا أساسها الصدق والمحبة، الاحترام والتقدير.. كانوا من أهم الخصال التي حافظت على ترابط العلاقة إلى أن أنهاها سوء تفاهم مدمر. تلاشت أحلام كبيرة وهدم منزل صغير قبل أن يبنى، أريكة صغيرة بالأسود والأحمر من النوع المريح وغطاء يتقاسمانه سويا، هناك إتفقا أن يقضيا مساءات الإجازات بعد أن ينهيا ترتيب وتنظيف بيتهما الصغير الدافئ. تفاصيل لا تنتهي تقاسماها وأحسا بها عند كل نبض، كانا المتنفس والدواء والحياة لبعضيهما..
كانت تغتنم الفرص لتلتقي به، أما هو فكان يأتي إليها مسرعا رغم مرضه وعلته، كثيرا ما قطع نومه لرؤيتها، كثيرا ما تنازل عن كبريائه لأجلها لأجل، ألا ترحل عنه فهذا كل ما كان يخشى -فراقها-!
هي : طفلي فلتأتي حالا إلي، إنني أنتظرك في مقهانا المعهود.
هو : حالا مجنونتي رغم أنني مريض للغاية وحرارتي جد مرتفعة..
أتى إليها وملامح المرض ظاهرة عليه، لم يغيرملابسه حتى، لكنه كان جميلا جذابا بملابس المنزل رائحته زكية لم يكن بحاجة للعطر.
هي (بضحكة ساخرة): يا لك من مجنون تبدو مضحكا وأنت مريض.
هو: كي تعلمي أن المرض لن يمنعني من رؤيتك موميائي.
كانا طفلين جدا.. كانا متشابهين.. أحبا الحياة..
بعد يوم طويل يلتقيان ليحكي كل منهما للآخر أحداث يومه بتفاصيلها، وينهيان حديثهما بعناق الأرواح والأذهان.
معا ضحكا كثيرا وبكيا أكثر.. معا وجدا نفسيهما، وجدا السعادة والفرح…

جعل من ضعفها قوة كبيرة وصنع من خجلها ابتسامة جميلة. أحبته فقيرا لا يملك شيئا غير حبه الكبير لها، غير جنونه وتمرده، كان يصنع لأجلها حبا لا وجود له. أحبته عندما أمسك يدها في اللحظة اللتي أوشكت فيها على السقوط.
أحبها لصبرها الكبير وقوتها وجنونها وكسلها وحزنها، أحبها عندما قالت له ‘أنا أمك الثانية وأنت طفلي’. استحق كلاهما الآخر ببرائتهما وطيبتهما…
رأى كل منهما السعادة والمستقبل مع الآخر إلى أن ألغيا فكرة أن ‘الزواج نصيب’، جملة من كلمتين جعلتهما يستيقظان من سباتهما ويتخبطا يمينا ويسارا في واقع غير ذلك الذي خططا له، حيث أن سوء تفاهم بسيط خلق طريقا لا عودة منه، ليجدا نفسيهما في آخرالطريق وفي درب الوداع. دخلا في دوامة من الكآبة والوحدة والمرض النفسي اللذي سبب لكليهما إجهادا كبيرا.

قضت يومين في المستشفى تحت إشراف طبيبة أرادت تخفيف الآلام النفسية عنها لكن بدون جدوى.. فقدت الكثير من وزنها مما سبب لها الضعف والهوان، حتى جمالها كادت تفقده بسبب النحافة اللتي أخفت ملامحها.

عندما استعادت عافيتها قليلا، لاحظت عناء أهلها من أجلها فقررت أن تبدأ من جديد، بفضل قوتها وقدرتها على الاستمرار استطاعت أن تواكب دراستها وأن تخلق علاقات إجتماعية وصداقات عميقة جعلتها تستعيد القليل من الأمل. عادت إلى حياتها إلى نشاطاتها وأهلها مدعية أنها تخلصت من بقاياه من الوعود والوصايا، مدعية طي أسعد صفحة من صفحات حياتها؛ ادعت كثيرا عكس ما كانت تشعر به، كما ادعت السعادة التي لم تعد تشعر بها. كانت كلما فتحت بريدها الإلكتروني وجدت شيئا منه يوحي لعمق جرحه ومعاناته هو الآخر، فتطلق العنان لدموع شوقها وحنينها. لم تستطع أن تتخلص منه ومن أشيائه لم تستطع الإيمان بشر القدرالذي ابتليت به.

كما العادة في يوم من أيام نهاية الأسبوع بينما تقرأ كتابا في علم النفس صادفت عينيها جملة جعلتها تقف دقيقة صمت أمام قوتها (إلى متى ؟؟)، كانت تلك الجملة سببا لجعلها قاسية صلبة المشاعر والمراس.. تحدثت لنفسها واستطاعت التخفيف من حدة نزيف قلبها، قررت أن تأخذ موعداعند طبيب نفسي لمساعدتها على اجتياز أزمتها، فكانت خطوتها تلك لابأس بها، جعلتها تحكي جل ما في جعبتها من مشاعر مختلطة حيث لاحظ الطبيب بعضا من علامات الانفصام في تصرفاتها وسلوكاتها التي كانت نتيجة ضغوطا نفسية عديدة. يوما تلو الآخر بدأت تشعر بالحرية والقدرة على المواصلة وحيدة دون كلل، استعادت رغبتها بالحياة وإيمانها بتلك الأشياء الجميلة اللتي تنتظرها، راودها بين فينة والأخرى إحساس قوي بالرغبة في الزواج والاستقرار، كانت تحس بدفئ وسعادة عارمة كلما خالجها شعور إحتضان طفلة صغيرة ولمس ملامحها.

فبعدما كان الزواج والاستقرار بالنسبة لها فقط فكرة لا أمل فيها، أصبحت الآن ترى الزواج إستقرارا نفسيا وعاطفيا، ملغية أفكارها المتعششة في قوقعتها المظلمة اللتي كادت تأخذ بها إلى طريق اللانهاية لها، تلك الأفكار اللتي جعلتها تحيا أحلاما قد انقرضت من واقعنا، تلاشى كل شيء وكل أحلامها السالفة تغيرت، أصبحت أحلامها نجاحا بمثابة تعويضا عن كل ماعانته وحياة تتقاسمها مع رجل قوي يستطيع إحياء نبضها المتوقف وخلق الاستقرارالذي لطالما أرادته.

واحدة من آلاف القصص التي تحكى أو تكتب بإحساس مجهول، بشعور يملؤه الانتصار أوربما الفشل، لكن النتيجة والهدف من تجارب الحياة جمعاء تظل واحدة وهي درس ساهم في تكويننا لمراحل آتية وقد تكون أهم مما مضى.

لذا علينا عدم الاستهانة بالتجارب الفاشلة وجعلها نقطة تحول وقوة و دافعا نحو تحسين أنفسنا، وأهم ما علينا تعلمه من رحلاتنا الغير مجدية عدم السقوط في نفس المستنقع والخضوع لتكرار نفس الأشياء و بنفس الأسلوب.

شيماء شعبي

شيماء شعبي اثنان و عشرون عاما ، اتابع دراستي بالسنة الثالثة بكلية الاقتصاد و حاصلة على دبلوم في التسيير ، متيمة انا بالكتابة حيث اجدها متنفسي الوحيد في زحام حياتي و كذالك القراءة اللتي تزيدني إلهاما في التعبير .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *