الدولة هي كل شيء “الجزء الثاني”

هل يتغير مفهوم الدولة بعد زمن كورونا؟

لقراءة الجزء السابق:

الدولة هي كل شيء – الجزء الأول


وإذا كان الناس بحاجة إلى الدولة في أيامهم الطبيعية، فهم أكثر حاجة لها في أيامهم العصيبة والتي تحملها أزمان الأوبئة و الحروب… فليس هذا الزمان علينا ببعيد، في ظل بقائنا في الحجر الصحي بسبب وباء عالمي عرف باسم covid 19 أو إعلاميا “كورونا”، منطلقا من إقليم ووهان الصيني ليجتاح العالم برمته في غفلة منه، في وقت لم يكن أحد مستعدا لاستقبال هذا الوافد الجديد؛ فتم إغلاق الحدود والمنافذ بعد أن استطاع التسلل إلى كل الدول رغم كل الإجراءات، لتخرج منظمة الصحة العالمية بوصايا الدول والأنظمة الصحية بفرض حجر صحي يقلل من حركة الأفراد ويخلق التباعد الاجتماعي، وبالتالي يقلل من حدة انتشار الوباء، وتعلم أصول النظافة من جديد والحفاظ عليها، والمداومة عليها بعد كل مس لأقفال الأبواب أو بعد كل عملية خروج، مع عدم المصافحة وتجنب الأماكن المزدحمة…إلى غير ذلك مما نشاهده في شاشات التلفاز بوصاية من السلطات الدولة، مراعاة وحفظا لسلامة الأفراد.
إيقاف كل وسائل التنقل أدى إلى توقف شرايين الاقتصاد العالمي وتعليق الوظائف وتسريح العمال، منذرا بأزمة عالمية جديدة تلوح في الأفق، ولتتضرر أكثر الشركات ذات نظام سلسلة الإنتاج والتوريد والمطالبة بإعادة النظر في طريقة الإنتاج وعدم الاعتماد على الوحدات الإنتاجية المجزأة.
وتتجه أصابع الاتهام إلى مفهوم العولمة وقصورها في الاستجابة السريعة، بل وتحميلها المسؤولية في الانتشار الواسع للوباء عبر الدول، حت قال أحدهم ساخرا أن “العولمة هي أن يأكل أحدهم خفاشاً في ووهان تم يحجر علي أنا في بيتي!!”.
لترتفع أصوات تنادي بضرورة إعادة النظر في النظام العالمي السائد ومحاولة لرسم معالمه الجديدة والتي في غالب الظن ستتجه نحو الدولة الوطنية أو القومية القطرية، لتعيد تشكيل مفهوم جديد للدولة ودورها الأكثر دركية وبوليسية ولو على حساب الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان، حسب ما ذكره العديد من الخبراء وأوردته تقارير إعلامية ودراسات علمية بهذا الخصوص، بل هناك من ذهب أبعد من ذلك منذرا بتوازنات جديدة على مستوى العلاقات الدولية والمصالح الاستراتيجية لدول ترسم حسب موازين القوى التي ستتغير لصالح الشرق بزعامة الصين وروسيا وكوريا، بدل الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الذي يعرف بدوره أزمة غير مسبوقة في تعاطيه مع أزمة “كورونا”، والانقسامات الحادة بين الأعضاء بخصوص الخطة المناسبة لإنقاذ الاقتصاد الأوروبي (بين فرنسا وألمانيا)، بالإضافة إلى تبادل الاتهامات بين المسؤليين الأوروبيين بخصوص التخلي عن مبدأ الوحدة والتضامن، وترك الدول تواجه مصيرها (إيطاليا وإسبانيا)، بل ذرف الرئيس الصربي دموعا في مؤتمر صحفي موجها انتقادات حادة إلى الاتحاد الأوروبي مهددا باللجوء إلى الصين وطلب المساعدة منها.
ونفى وزير الشوؤن الأوروبية فينتشينسو أميندولا بالحكومة الإيطالية أن تكون هناك نية لدى بلده في الخروج من الاتحاد الأوروبي، على خلفية الانتقادات الواسعة لموقف الدول الأوروبية تجاه انتشار وباء كورونا في إيطاليا بشكل كارثي، إذ تعتبر إيطاليا أكثر دول القارة العجوز تضررا بالوباء.
ثم، هل بالفعل يمكن أن نخمن بمفهوم جديد لدولة ما بعد “كورونا”، تنزل بكل ثقلها على الانضباط الأمني وفرض القبضة البوليسية على مواطنيها؟؟ خاصة بعدما وجود مؤشرات دالة على ذلك، كنجاح الصين في التعاطي مع الأزمة نظرا لطبيعة نظامها السلطوي وفرضها قيودا صارمة على مواطنيها، وبتواجد أمثال دولاند ترامب على رأس الولايات المتحدة الأمريكية، رئيس ذو نزعة استبدادية وقومية، ولطالما رفع شعار “أمريكا أولا” طيلة حملته الانتخابية حتى وهو رئيس منتخب، وهو نفس النهج الذي سلكه في تعامله مع أزمة كورونا، إذ استبق إغلاق المطارات والموانئ تاركا “أصدقاء” أمريكا وحلفاءها في مواجهة مصيرهم بأنفسهم.

Exit mobile version