سنشد عضدك بأخيك

اخوك سندك وعِزْوتك

أتذكر في صغري كيف كانت أمي توبخنا عندما نتشاجر أنا وأخواتي، كانت تحاول أن تبين لنا الأهمية التي يحظى بها الأخ مقارنة مع باقي الأواصر والعلاقات بطريقة ذكية ـوأظن أنها كانت حيلة العديد من الأمهاتـ فكانت تقول لنا: “يحكى أن امراة خيرها ملك بين أخيها وزوجها وابنها إن استطاعت أن تنقذ واحدا فقط من الموت غرقا، فمن منهم ستختار نجاته في نظركم ؟

لا أعتقد أن واحدا منا (أنا وإخوتي) استطاع أن يخمن الإجابة التي كانت أمي تبحث عنها، لم نكن حينها قد استوعبنا الدرس بعد فكنا نجيب: ستختار الزوج (كان هذا جواب أنثويا) نظرا للقدسية التي كان يحظى بها الزوج في الأوساط الاجتماعية في فترة التسعينيات، بينما يجيب الجنس الخشن بالابن، باعتباره فلذة الكبد أو لأنهم كانوا يرون في تلك المرأة أمهم التي سوف تفضلهم عما دون غيرهم.

فتعلق أمي على أجوبتنا وهي محبطة: “لا يا أولادي، لقد اختارت المرأة أخاها لأنه بإمكانها أن تتزوج مرة ثانية، وتنجب مرة أخرى، لكنها لا تستطيع أن تعود بالزمن إلى الوراء لتحظى بأخ آخر إذا خسرت ذاك“. أمي كانت تحاول أن تقول لنا بطريقة أو بأخرى “سنشد عضدك بأخيك”، والمضحك في الأمر أننا استوعبنا الدرس جيدا، لكننا لا زلنا ليومنا هذا نتشاجر!.

أمي كانت تحاول أن أن تقول لنا أن اختيار المراة لأخيها كان قرارا صائبا ولا يبخس من قيمة وأهمية الزوج أو الإبن شيئا، كل ما في الأمر أن الأخ فعلا شخص لا يعوض. وقد يحدث أن يجمع بين الاثنين ـ ليس بالمعني الحرفي وإنما نسبيا ـ فمثلا في بعض الأحيان نجد في أخوتنا شبها لنا سواء في الملامح أو الطباع والذي لم يرثه منا ولا واحد من أبنائنا، وأحيانا أخرى تجدنا نستشهد بهم كأمثلة أو نماذج نتمنى لو امتلك شريك العمر بعضا من صفاتهم.

{قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} (الآية 35 من سورة القصص )، أي أننا سنسندك بأخيك، سنشد عضدك بأخيك معناها أننا سنقوي أصرك بأخيك ونعز جانبك به.

في عز شدة سيدنا موسى وهبه الله أخاه هارون رحمة به، وجعله نبيا ليعينه على نشر الدعوة، كما منحه أختا بارة بأمها خرجت تبحث عنه وتساعده. يقول الله تعالى : {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِۦ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِۦ عَن جُنُبٖ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَۖ} (الآية 10 من سورة القصص).

يوجد في بيت كل واحد منا أخ أو أخت أو الاثنان معا من طينة هارون ومريم أو كلثوم، سخرهم الله عونا لبعضهم يوثرون على أنفسهم ولوكانت بهم خصاصة، ويعطون الكثير من القليل الذي لديهم وبطيب خاطر لا مثيل له؛ وما كان ربك نسيا لما يفعلونه حتى وإن جحد إخوتهم بذلك.

يدفعني الفضول الى أن أفهم كيف تنتصر معاني الإيثار والجود على غريزة الأنا من أخ اتجاه أخيه أو اخت اتجاه أختها. أتساءل عن السر الذي يكمن خلف الدافع القوي الذي يدفعهم الى التضحية وأخمن أن الجواب قد يكون في أنهم يرونها تجربة مسبقة للأبوة أو الأمومة، أو ربما يرون أنفسهم فيهم وأن سعادة إخوتهم ونجاحهم هو بمثابة نجاح لهم أيضا، أو لكونهم لا يؤمنون بالنجاة الفردية وقد يفعلون ذلك أبرا بآبائهم أو ابتغاء مرضاة الله …

قد أضع تصورات عديدة لكنني لا أجدها كافية ومقنعة، فكلنا أبناء آدم وبنو آدم ليسوا مثاليين! فوصول المرء إلى هذه الدرجة من العطاء والتضحية والإيثار دليل على صفاء السريرة ونبل الغاية مما يجعله من نخبة المجتمع. لقد كانت ولازالت الأخوة تجسد معنى الفضيلة والتعاون، وكل واحد فينا يعيش قصة بطولة أخوية حقيقية يفتخر بها ويعجز عن سداد معروف وجميل لمن هم من لحمه ودمه.

فعادة ما تردد أمهاتنا وآباؤنا عبارات من قبيل: “الخاوة حدا الدنيا” ، “خاك تمضغوا ما تبلعوا”، “الدنيا بخير ماحدوم الخوت هايدا” (وتشير إلى شدة الأيادي) …أمثلة وأقوال يحاولون من خلالها تنبيهنا إلى رابطة متينة لا مثيل لها، فمهما كان مستوى الاختلاف والتفاهم فإننا في الأخير نجد في الأخ ما لا نجده في أي شخص آخر، جبل نستطيع الاستناد عليه دون خوف عندما تخوننا قوانا.

يسيتطيع الأخ أن يلعب أكثر من دور فيكون صديقا مقربا وأما ثانية أو أبا روحيا ومعنويا وماديا. وشخصيا أحمد الله كثيرا على نعمة الأخ المتفهم الذي يحاول قدر المستطاع احتواءنا وأن يكون راعيا ومسؤولا عن رعية لم يخترها لكنه أخلص في حبها. أتقبل تشدده تارة وأنفر منه مرات عدة، لكنني في الأخير أتفهم خوفه علينا. ومن تجربة إلى أخرى أحمد الله كثيرا على أخواتي البنات فهن فعلا رزق عظيم يصلحن الكثير من الخراب الذي بداخلي دون أن يدركن ذلك.

فأنا الآن أنقل بلساني وقلمي ما يحدث في أكثر من 34 مليون بيت مغربي، مواقف تستدعي وتسلتزم فعلا وجود الأخ أو الأخت ولا أحد غيرهما لتدرك كم أنت محظوظ(ة) لأن لك أخا أو أختا. ولأن الحياة ليست دائما وردية وجميلة بوجود إخوة أفاضل وليس جميع الإخوة مثل هارون ومريم أو كلثوم، هنالك الأخ الصالح والمعين، وهنالك الأخ الطالح المؤذي… ولنا في قصة سيدنا يوسف خير عبرة.

لا تخلو بيوتنا أيضا من إخوة على شاكلة إخوة سيدنا يوسف وقد يصبح الأخ عدوا بدل أن يكون سندا وعزوة.

نصيحة على الهامش لكل أخ متغطرس، احتضن أختك ولا تكن أول الذئاب المتربصين بها!

سنشد عضدك بأخيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *