المثقف بين شريعتي وتشيخوف وغرامشي

من هو المثقف؟

بداية، لا بد من الإشارة إلى أنه من الصعب تحديد مفهوم وحيد وأوحد للمفهوم فهذا الأخير يحتمل مفاهيم عديدة والسبب راجع لتعدد المشارب والانتماءات ووجهات النظر حول الثقافة ككل.

كما أ ن سؤال من هو المثقف ومحددات الثقافة تتغير من شخص لآخر إلا أن المفهوم السائد أو الشائع وهو المرتبط بأصل اللفظ والمعنى الدلالي لهذا الأخير. فالمثقف عند ابن منظور في لسان العرب مشتق من فعل ثقف أي حذق الشيء وتمكن منه ذهنيا، والمثقف بهذا المعنى هو الحاذق والماهر، ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة: حذقه. ورجل ثقف وثقف ثقف: حاذق الفهم ويذهب عبد الله العروي في تعريفه للمثقف في كتابه “ثقافتنا في ضوء التاريخ“، كونه ذلك المفكر أو المتأدب أو الباحث الجامعي، وفي بعض الأحيان حتى على المتعلم البسيط. بيد أن المفهوم لا يكون أداة للتحليل في العلوم الاجتماعية إلا إذا أطلق على شخصية تظهر في ظروف جد خاصة.

وكما هو مشار في العنوان المثقف بين شريعتي وتشيخوف وغرامشي فسأحاول في هاته المقالة مناقشة مفهوم الممثقف من خلال هؤلاء الثلاثة، علي شريعتي وحديثه عن المثقف من خلال كتابه مسؤولية المثقف، وأنطون تشيخوف الطبيب الروسي والاكاديمي والباحث المسرحي من خلال الشروط المعروفة بشروط المثقف عند أنطون تشيخوف،ثم أخيرا المثقف عند الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي.

علي شريعتي وكتاب مسؤولية المثقف 

يتناول كتاب مسؤولية المثقف ثلاث محاور: الأول يعرف فيه المثقف والثاني الفرق بين المثقف الأصيل والمثقف المقلد وأخيرا يتناول مسؤولية المثقف وكيف يمكن بناء حضارة أصيلة وفعالة وما يهمنا هو تعريف المثقف عند شريعتي.
فالمثقف هنا حسب شريعتي هو ذلك الشخص الذى يتسم بوضوح الرؤية وسعة الأفق وفى الفرنسية هو الإنسان بعيد النظر أو المستنير الذي لا يتصف بالتقيد والتوقف ولا يفكر بجمود عقائدي، بل يفكر بوضوح وسعة أفق، ويميز عصره والأرض التي يقف عليها والمشاكل التي تطرح في مجتمعه ويستطيع تحليلها وتقديم الأدلة عليها، وإفهامها للآخرين.

وإجابة سؤال دور المثقف يقول شريعتي أن هذا الاخير يلعب دورا هاما شبيها بأدوار الأنبياء والمرسلين كما يعتبر المثقف كائنا غير عاديا ليس كسائر الناس والعامة الذين شبههم بأسرى التقليد والمناهج الاجتماعية والأطر التعليمية ورجال الدين، فالمثقف هو الكائن الواعي والمسؤول أمام الجماهير الذي يخوض معركة الوعي وقيادة المجتمع إلى بر الأمان؛ ومن الاقتراحات التي يضعها لبناء الحضارة هي العودة للذات وتوعية الناس ومواجهة الجمود والتقليد.

انطون تشيخوف

حسب تشيخوف فإن المثقف دائما ما يكون بحاجة إلى العمل الدائم، ليل نهار، والقراءة المستمرة، والدراسة، والإرادة، فكل ساعة هي ثمينة بالنسبة له، ويشترط 7 شروط يجب أن يتحلى بها المثقف وهي كالآتي:

احترام الآخرين: يشترط تشيخوف في المثقف أن يحترم الحس الإنساني للآخرين حيث يقول إن المتعلم يحترم الآخرين، ويكون متسامحا معهم ولا يضع أوزاره على الآخرين ويتحمل مسؤولياته. وتعتبر شخصيته مرنة بما يكفي لقبول الطرف الآخر وطرق تفكيره وتصرفه وإن اختلفت أفكاره.

الصدق: يؤكد على فعالية لصدق مع المتلقي ويشترط عدم الكذب على المتلقي كي تكون بينهما الثقة التامة فالمثقف حقا لا يتباهى بمعرفته باستمرار، ناهيك عن أنه ذكي بما يكفي ليدرك ما لا يعرفه، ولا يلجأ إلى الكذب في محاولة لإبراز ذكائه.

التواضع: يرفض خاصية الغرور حيث يشترط غيابها في المثقف حيث يبقى الموهوبون حقا دائما في الظل بين الحشود، بعيدا عن أضواء الشهرة. في المقابل، تحتاج العقول الفارغة إلى المزيد من الضوضاء، على عكس المثقفين الذين لا يحتاجون إلى إبراز معارفهم بما أن الثقافة تسير دائمًا جنبًا إلى جنب مع التواضع.

تقدير المواهب: أن تكون متعلما يعني أنك على دراية بمواهبك وملتزم بتطويرها مما يساهم في ازدهارها، حتى لو كان ذلك يعني تقديم بعض التضحيات وبذل الكثير من الجهد. في نهاية المطاف، يجب أن نتذكر أن الموهبة دون المثابرة لا تؤتي ثمارها.
الكرامة: يرفض تشيخوف أن يطيح المثقف من كرامته كي لا يقلل الناس من شأنه كما يعتبر المثقف أيضا شخصا يتمتع بالكرامة، لا يحزن ولا يبكي. إن المتعلم لا يحاول التلاعب بالآخرين بل يسعى إلى إيجاد الحلول، كما أنه ذكي بما يكفي للاستفادة من الظروف لصالحه بدلا من التذمر.

الحس الجمالي: يفترض أن تكون متعلما هو أيضا أن تكون عمليا وموضوعيا وأن تسعى إلى معرفة جذور الأصالة، ليس فقط داخل أنفسنا ولكن أيضا لدى الآخرين

التعاطف: يشترط تشيخوف أن يكون المثقف متعاطفا حيث يقول يعد المثقف شخصا حساسا وعاطفيا، ليس فقط في وجه الظلم والألم الذي يجده في طريقه، ولكن أيضا في مواجهة كل ما يحدث في العالم. لم يتمكن تشيخوف من تصور ثقافة غريبة عن المعاناة الإنسانية والفرح.

انطونيوغرامشي

المثقف العضوي المفهوم الشائع عند الكثير والذي يستعمل الفيلسوف الماركسي غرامشي ليحيل على أولئك الذين لديهم دور فعال وثقافي إيديولوجي في المجتمع ويشترط غرامشي أن تكون طبيعة المثقف مستمدة من النواحي التقنية للوظائف الإنتاجية الأساسية ليستطيع المشاركة في تطوير وبناء نمط معين خاص بالطبقة التي ينتمي إليها وهنا يجيب غرامشي عن سؤال من هو المثقف حيث يعتبره هو الذي ينتمي الى طبقته ويعي همومها وله حس المسؤولية تجاهها كما يدافع عنها بكل الوسائل لضمان استمرارها.

يعتبر غرامشي أن المثقف العضوي هو الواعي بهموم طبقته والمناضل من أجل اقرار حقوقها وتعليمها والذي يحمل على عاتقه مسؤولية تاريخية تتمثل في التعليم والتوعية والتأطير والإسهام في نهضتها، إن غرامشي يتجاوز حدود مفهوم المثقف العادي إلى العضوي الذي يعتبر ضمير الأغلبية الصامتة وضمير الوطن الجريح المثقف المناضل والمثقف الإنسان الذي يجب أن يكون أينما وجدت أبناء الوطن لا العزلة عن الطبقة التي ينتمي إليها والعيش في غربة وسطها ويشترط العيش والنضال من أجلها وتحقيق غايات جماعية تعود على طبقته بالمنفعة العامة.

انطلاقا من هويته الثورية والماركسية باعتباره منظرا وقائدا للحركة الثورية الإيطالية الذي عايش ثورة أكتوبر في روسيا والأزمة العامة للرأسمالية وصعود الفاشية إلى سدة الحكم في إيطاليا وألمانيا، بل وكان فاعلا خلال هاته الفترة من خلال تأليفه لرسائل وإصداره لصحف تحلل هذه الحداث فضلا عن سجنه لمدة طويلة. كل هاته الأحداث جعلته ينتج مفهوما للمثقف انطلاقا من مجتمعه بخلاف المفهوم السائد للمثقف التقليدي.

المثقف بين شريعتي وتشيخوف و غرامشي

أسامة باجي

أسامة باجي صحفي مهتم بالشأن السياسي والثقافي باحث في الإعلام والتواصل مدون وكاتب رأي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *