الإعاقة لا تعني النهاية

جرعة أمل من شاب معاق - قصة قصيرة

مطر خفيف كالبكاء يرشف شوارع مدينة الدار البيضاء، يسير في طريقه إلى البيت حيث يقيم بمعية والديه وإخوته.

بعد يوم طويل وشاق، يجر قدميه المثقلتين كالرصاص وقد أنهكه التنقل بين شركات المدينة الضخمة. كل صباح يحمل ملفه الأزرق المصطفة أوراقه، نسخ عديدة لسيرته الذاتية، شهادات جامعية و ديبلومات متنوعة. لطالما كان شغله الشاغل إيجاد عمل قار يدر عليه دخلا متواضعا يساهم به إلى جانب والده لسد حاجيات الأسرة، إلا أنه وكسابق المرات قوبل عزمه وحماسه بعبارة باردة اعتاد سماعها: “سنتصل بك…!”.
ظل يمشي بين الطرقات وحيدا، مطأطئ الرأس، شارد الذهن، بدأ فكره يجتر كل محاولاته الفاشلة، لكنه يبقى صامدا بالرغم من كل شيء، فكان دائم التشبث بقبس الأمل الذي يومض بداخله…
لم ينتبه المسكين أثناء سيره لتصطدم به تلك السيارة المسرعة، فارتطم الجسد الشاب المخلوق من نار الرغبة وغبار الأحلام بالأرض معلنا صوت تحطم عظامه…
نقل إلى المستشفى وخضع للعلاجات الضرورية والفحوصات الطبية اللازمة، فتح عينيه بعد مدة لم تكن بالقليلة ليجد والديه بالقرب من سريره، زاره الطبيب بعد أن اطلع على نتائج الفحوصات. “نعتذر، لقد تعرضت لإصابة بالغة على مستوى النخاع الشوكي…”؛ هكذا قال الطبيب. لم ينبس أحدهم ببنت شفة، ثم أضاف :”هذا ما أدى إلى شلل الأطراف.”
نزل كلام الطبيب على مسمع الشاب كالصاعقة فخارت قواه ولاذ بصمت عميق تحرر معه سيل جارف من الذكريات، توالت ذكريات دراسته وأحلامه في ذهنه بل كل اللحظات التي عاشها والآمال التي بناها حتى يومه هذا، فشعر وكأن القدر باع أحلامه بثمن بخس، ترقرقت عيناه بالدمع فلم تستطع الجفون أن تمنعها فأعلنت النزول مخلفة ألما يعتصر قلبه…
قرر أن يمضي الليلة لوحده بالمستشفى وقد وافق والداه على مضض، ظل مستيقظا طوال الليل يفكر ويفكر، فهو ذلك الشاب الطموح الذي لم يرفع سقف أحلامه للأعالي بل عاشها بدون سقف، فلم يكن ليرضى بجلوسه مكثوف الأيدي يشاهد أيام شبابه تمر أمام عينيه، ولم يكن ليسمح باضمحلال ولو شرارة أمل واحدة فيه، فقرر النهوض من جديد…
مر أسبوع على تواجده بالمشفى وحان يوم خروجه، زاره صباح ذلك اليوم والداه ورفاقه المقربون، ليجدوه جالسا على كرسيه المتحرك بهمته ونشاطه المعهودين، وقد استعاد رباطة جأشه وتحسن حاله للأفضل، فكما يقال الضربة التي لا تقتلك تجعلك أقوى.
كفكف دموع والدته التي لم تقوى على تصديق الأمر بعد، وأمطرها بسيل غزير من التفاؤل والأمل. “الإعاقة إعاقة العقل عن التفكير، الحمد والشكر لله له ما أعطى وما أخذ، معاق لكن أؤمن بقضاء الله وقدره… وأنا راض بما قدر. كل ما يصيبنا في هذه الحياة مجرد ابتلاء لذا وجب أن نفتح صدورنا لرحمة البارئ عز وجل لا أن نضيق، جلوسي على هذا الكرسي لا يعني انتهاء حياتي بل بداية حياة مختلفة، سأواصل المسير لتحقيق أحلامي دون كلل أو ملل”.

غادر المستشفى بنفسية مفعمة بالطاقة الإيجابية، ظلت أسرته وأصدقاؤه سندا له، فانتابه دفق عارم من الحب والدعم مما ساعده على الاستمرار في البحث عن عمل بإصرار وعزيمة قويين. حتى فوجئ يومها بطلب التحاقه كمدرس بإحدى المراكز التي تعمل على تكوين شباب في وضعية إعاقة، فأصبح رسميا مدرسا للمعلوميات، المجال الذي لطالما أبدع فيه فكفاءته ومؤهلاته تشهدان له بذلك؛ كان حريصا على إعطاء شحنة من الأمل والطاقة لهؤلاء الشباب كلما سنحة له الفرصة، فحاجتهم للدعم النفسي كحاجة الزهرة إلى ضوء الشمس كي تنمو وتتفتح.

حظي باحترام وتقدير خاصين سواء من طرف أطر المركز أو الشباب المكونين، فأضحى قدوة يحتذى بها، كان فخورا بنفسه أكثر من أي وقت مضى، فقد استطاع تحقيق ما لم يكن بمقدوره فعله قبل إعاقته.
فالإعاقة إذن لم ولن تكون حاجزا لتحقيق أحلامنا والمضي قدما، والمعاق شخص مثلي ومثلك يجب أن نتقرب منه وأن نشد أزره وندعمه لا أن ننظر إليه بنظرة الشفقة الجارحة، فنظرتنا الخاطئة تجاه هذه الفئة قد تسبب لهم مشاكل أخطر من الإعاقة نفسها.

الإعاقة لا تعني النهاية

حسناء اسفولا

حسناء اسفولا طالبة مهندسة سنة الأولى بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بالحسيمة، فاعلة جمعوية؛ عضوة مؤسسة بجمعية سفراء الأمل بمدينة مكناس و كذا عضوة بجمعية التضامن الاجتماعي.  جد شغوفة بالقراءة و الكتابة خاصة باللغة العربية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *