عدو تحت المجهر

كان يا ماكان فيروس غزى المكان والزمان

كان يا مكان في زمن ليس بالبعيد، كوكب اسمه الأرض
تسكنه العديد من الأجناس المتباينة الشكل والدين واللغة، متفرقين على القارات الخمس منهم من ينعم بالسلام والأمن (فبالرغم من التفاوت الاجتماعي إلا أنهم كانوا يحظون بحياة هنيئة)، ومنهم من كان يخوض حروبا وقتالا حتى كادوا يألفون صوت الأسلحة وفقدان الأحبة.

لقد كان من الصعب توحيد كل هذه الأمم، فلكل ظروفه واعتقاداته، ولعل القاسم المشترك الأول الذي يجمعهم هو رغبة البقاء. لذلك كان جلهم مجبرين على النهوض كل صباح للسعي وراء لقمة العيش، ويكافئون أنفسهم أيام العطل
فمنهم من يسافر ويعبر القارات، ومنهم من يقضي الوقت مع الأحباب والأصحاب. ومقابل هذا نجد منافسة قوية بين أرباب المقاهي، المطاعم، الفنادق ووسائل النقل، فمع ازدياد الإقبال على هاته المرافق أصبح إرضاء الزبون غاية لا تدرك.
لقد كان للناس أنشطة متنوعة وكانوا يترددون على أماكن متعددة؛ يخرجون وقت ما أرادوا وأينما شاؤوا، الشيء الذي لطالما اعتبروه عاديا تقليديا مملا!

إلى أن جاء اليوم الذي لم يكن في الحسبان، إذ لم تكد سنة تنقضي سنة 2019 حتى حل في شهرها الأخير ضيف ثقيل حط رحاله لأول مرة في الصين قبل أن يجوب العالم شمالا وجنوبا، شرقا وغربا.
أطلق عليه العلماء اسم كوفيد 19 وهو من عائلة كورونا من أحفاد السارس والميرس. وهي فيروسات تصيب البشر والحيوان تستهدف بالأساس الجهاز التنفسي… يتميز بمجموعة من الأعراض والتي بفضل وسائل الإعلام صار يعرفها الصغير قبل الكبير.
تعب وسعال جاف فحمى، أعراض قد تدل عادة على الإصابة بنزلة برد مؤقتة كما من الممكن أن تكون ذاك الصغير الفتاك الذي أصبح يشكل تهديدا لبني البشر يذهب بأرواح بعضهم و يقبع آخرون في المستشفيات لأسابيع، أما الباقي فقد أجبرهم على المكوث في بيوتهم منتظرين دورهم أو آملين في فرج قريب من الله.
مخلوق صغير مجهري وحد الناس رغم تباينهم فلم يفرق بين غني وفقير، صغير وكبير، حكام ومواطنين؛ كلهم سواسية أمام هذا الفيروس الذي فرض نفسه رغم قوة العديد من الدول وعظمتها.

جبروته أذهل الآدميين وذكرهم بضعفهم ووهنهم رغم ما وصلوا إليه من اختراعات وأبحاث. ذكرهم بأنهم لم يؤتوا من العلم إلا قليلا رغم كثرة الدراسات والمختبرات؛ جعلهم يشتاقون لذلك الروتين الذي كانوا يجدونه مملا؛ والأدهى من هذا أنه جعلهم يراجعون علاقتهم بخالقهم ويدركون أنهم بعثوا في الأرض خلفاء لله لإعمارها وأنهم لله وإليه يرجعون، ولا يمكن التنبؤ بما هو آت فالمرء لا يعلم متى تنتهي مهمته على هذه الأرض ولا أين ولا كيف.

مرت شهور ومايزال هذا العدو الخفي يحصد أرواح الناس عبر العالم، هناك دول تحاول النهوض من جديد والعودة تدريجيا إلى الحياة وأخرى لا تزال تقبع تحت رحمة الفيروس. ويظل السؤال الذي يحير الجميع هو متى سينقضي زمن كورونا هذا؟

عدو تحت المجهر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *