وكان الإنسان أكثر شيء جدلا

تفاسير عدة لجدلية الإنسان

يقول الله تعالى في الآية 53 من سورة الكهف: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِے هَٰذَا اَ۬لْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٖۖ وَكَانَ اَ۬لِانسَٰنُ أَكْثَرَ شَےْءٖ جَدَلاٗۖ}، ويفسر أهل الإختصاص أن الآية مفادها أن الإنسان وبرغم تفضيل الله له على كثير من المخلوقات ورغم كل النعم التي خصه بها من عقل وتفكر وتدبر، ومع منحه أروع الصفات وأقوى القدرات ـمع أنه قد يكون أضعف مخلوق في الحلقة الكونيةـ إلا أنه مخلوق مجادل من الطراز الرفيع، متكبر على حقيقة ضعفه ومغالط في حقائق أخرى… مخلوق يتناسى فضل الله عليه، فطبعه مناور ومشاكس وغريزته تميل إلى تعقيد الأمور لا إلى تبسيطها. هذا الطبع الحاد قد يبعده عن الحق وإن تبين له الغي من الرشد، طبع العناد والخصومة والجدل قد يحجب عنه الصواب فيتوه في غياهب حب الأنا الوهمية.

لكن الكثيرين يرون الآية من منظور مغاير تماما، إذ يتمحور فهمهم لها حول فكرة أن الإنسان مخلوق معقد يستحيل فهمه واستيعاب دواخله أو توقع أفعاله وكذا حل شفرة ميكانيزمات تصرفاته؛ هو دائما محل جدل ونقاش لن يطوى إلى يوم الدين، وهذا ما جعل منه لغزا يبحث عن حل لنفسه بين ألغاز هذا الكون الفسيح.

و في سياق آخر، قد تخبرنا الآية أن الإنسان غالبا ما يميل للباطل على حساب الحق، لأن الإنسان بطبعه يميل لكل ما هو سهل ومتاح، وكلنا ندرك على مستويات مختلفة أن طريق الحق شاقة ومتعبة.

ونستطيع الاستشهاد هنا بقصة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لما طرق عليا وفاطمة وهما نائمان، فقال ” ألا تصليان؟ فقال علي: يا رسول الله، إنما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يمسكها، وإن شاء أن يرسلها. فولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيده على فخده،ويقول و يعيد القول “وكان الإنسان أكثر شيء جدلا”.

ختاما، أيا كان المعنى والأثر الذي تتركه الآية أعلاه، فإن كل تلك الاستنتاجات واردة ولا نستطيع أن نلغي أيا منها.. فالإنسان فعلا لغزمعقد، ومخلوق مفضل وعنيد يهيم في أهوائه بسبق الإصرار والترصد، وهذا خلق الله.

تعليق واحد

  1. داخل كل انسان مجموعة كبيرة من الاصوات.. صوت النفس و صوت الضمير و وساوس الشياطين و غيرها.. و هو دائما في صراع معها.. و كل انسان يتبع احد هذه الاصوات.. و يحاول بلورة الافكار التي تدعم رغباته.. فيبني فلسفة و منطقا يحاول فيه اقناع الاخرين بمنظوره.. و هنا تكون مجادلة الانسان ليجعل ما يقوم به حق و صواب..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *