من هم المؤثرون الحقيقيون

هل المؤثر الحقيقي هو من تسلط عليه أضواء الشهرة؟

تساءلت كثيرا حول أولئك الذين يقال عنهم “مؤثرين” على منصات التواصل الاجتماعي وعن حقيقة تأثيرهم في المجتمع، وبعد بحث وتنقيب عديدين، تساءلت في نفسي أين هو التأثير الذي يتحدثون عنه وينادون به؟ بالله عليهم كيف سمحت لهم أنفسهم أن يلقبوها بذاك اللقب؟ ماذا أنجزوا وماذا حققوا ياترى؟
إن المؤثر الحق هو الذي يلهم الناس ينجاحاته وإنجازاته العظيمة في الحياة والتي لم يصل إليها إلا بعد جهد جهيد؛ إنه ذاك الذي يزرع في نفوس اليائسين أملا لا يخبو ولا ينطفئ وأيضا هو ذاك الذي ما فتئ ينصح ويرشد ويمد يده لكل بائس داعيا إياه إلى شحذ الهمة من جديد مقنعا إياه أن لا مستحيل في الحياة؛ هو الذي يدع أعماله وإنجازاته تتحدث عنه والتي بذل من أجل الظفر بها وإخراجها لأرض الواقع الكثير من الوقت والجهد، واجتاز بكل قوة ما لا يعد ولا يحصى من العقابات التي اعترضت طريقه أكثر من مرة…
إن المؤثرين الحقيقيين ليسوا أولئك الذين ولدوا في ظروف مغايرة والذين أعطتهم الحياة من كل شيء لذلك سمحوا لأنفسهم بأن يكونوا مؤثرين بأسفارهم الدائمة وأموالهم الطائلة وجمالهم الذي ينفقون عليه الملايين ربما حتى يظهروا بذلك الشكل، وصورهم التي ملأت مواقع التواصل الاجتماعي وأماكن مختلفة بثياب جديدة خاصة بكل مكان على حدة…

صورة تعبيرية

إذن أين هو التأثير؟ لما نوهم أنفسنا بتصديق من يظهر بأشياء لا قيمة ولا وزن لها ونسمح لهم بتنغيص حياتنا وتعكير مزاج سعادتنا التي لن نجدها إلا إذا رضينا وأقنعنا بنمط عيشنا البسيط ونلمس الجمال فيه ونقتدي بمن يستحق فعلا أي بمن وصلوا أعلى مراتب النجاح بعرق جبينهم وكدهم واجتهادهم وصبرهم على مر الحياة حتى اشتد عودهم وحققوا ما حققوا بفضل إرادتهم الفولاذية وعزيمتهم وقوتهم التي لا تخور ولا يقهرها الزمن وتقلباته، هم من صمدوا في ظل موجات التثبيط ودفن روح الأمل والتفاؤل في وجدانهم؛ إنهم من سعوا وكافحوا حتى آخر رمق ولم يستسلموا رغم كمية البشاعة التي تحيط بهم، ولم يكونوا يوما مؤثرين بكثرة الصور التي يلتقطونها بآخر ما يوجد في السوق من الهواتف أو آلات التصوير ولا بالإعجابات أو بكثرة السفر وثياب الماركات الغالية جدا.

إن المؤثرين حقا هم أولئك الذين تحملوا شظف العيش وقلة ذات اليد وقطعوا المسافات وتحملوا المشقات في سبيل أن يعيشوا حياة كريمة لهم ولذويهم، هم الذين أرغموا على ترك سكناهم ليطلبوا المزيد من العلم للخروج من قبو الجهل وطمعا في عمل يجعل حياتهم أفضل مستقبلا؛ هم الذين عانوا الويلات، هم من عادوا خائبين من شباك البريد ووفروا ثمن عشائهم لغذائهم في اليوم التالي لأن المنحة الدراسية لم يتم إرسالها بعد؛ الذين بالكاد أكملوا عامهم الدراسي بين بؤس وفقر شديدين وغربة عن الأهل تزيد الطين بلة، إنهم الذين استأجروا كتبا قديمة لأنهم لا يملكون ثمن الجديدة، أيضا هم من التهموا الكتب والمطبوعات التهاما وسهروا الليالي طلبا في تحصيل العلم وبغية النجاح لكسب ثمار تعبهم وأملا في شغل وظيفة مرموقة مستقبلا تعيد إليهم ماء وجههم الذي أهدروه أثناء تحملهم للأعمال الشاقة التي كانت توكل إليهم في عز حر الشمس صيفا من أجل توفير مصاريف الدراسة شتاء والإهانات التي لا تنتهي من أرباب العمل الذين لا تجد الرحمة أي طريق لقلوبهم، إنهم من تزاحموا على مطعم الجامعة وانتظروا لساعات طوال مصطفين في الطابور الممتلئ عن آخره دون اعتبار لحرارة الشمس التي تلفح جلودهم ولا للبرد الذي يجعل أسنانهم تصطك فقط لأنه هناك أرخص، ولإخماد صوت الجوع الذي يئن من حين لآخر.

الذين تحملوا تصرفات الزملاء الغير اللائقة في نفس الشقة لأنهم لا يملكون أي خيار آخر فلا مالا كافيا لاستئجار غرفة خاصة، هم من حافظوا على أخلاقهم كما هي رغم الفتن التي تحيط بهم من كل جانب لا بل وازداد تمسكهم بها ودفاعهم عنها في ظل موجة عارمة من الانحلال الأخلاقي المنتشر في كل مكان، والذين لم يستسلموا للمثبطات ولا للعقبات التي اعترضت مسيرتهم ولا لفقرهم الذي لم يزدهم سوى قوة وإصرارا لتحقيق أهدافهم؛ إنهم من حملوا المشعل والذين أخذوا على عاتقهم مسؤولية تغيير مجتمعهم نحو الأفضل.

أولئك هم المؤثرون بكل ما تحمله كلمة “تأثير” من معنى؛ هم الناجحون حقا من يستحق الاقتداء بهم وإجلالهم وتقديرهم والتصفيق لهم واتباع مسارهم وكذلك جعلهم خير مثال للمكابدة والعمل من أجل بلوغ الأمانيإنهم مشاهير السماء وخلفاء الله الحقيقيين في هذه الأرض.

من هم المؤثرون الحقيقيون

حسناء المرابط

مدونة مغربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *