الاعتذار لا يقلل منك شيئا..

عن ثقافة الإعتذار

ربما نحن من بين الشعوب التي يرهقها طلب الإعتذار أكثر مما يرهقها الفقر والجوع، ربما نحن نفضل أن نموت على أن نعتذر لأحدهم ولو كان الخطأ منا، لا أملك وصفا دقيقا لأصف به أنفسنا، لا أعلم إن كان ذلك قلة حيلة أم عزة نفس، ثقافة، كبرياء، أم عجرفة، لكن ما أعرفه أننا شعب لا يحب بتاتا أن يعتذر ولو على حساب حياته…

قبل عام من الآن وقع شجار بيني وبين زميلة لي في الصف، هي كانت تراني متكبرة وأنا الأخرى كنت أراها بالمثل، لم يسبق لنا أن جلسنا لنتحدث كانت تتفادى أن تلتقي نظراتنا، تتجنب طريقي وأفعل مثلها بالرغم من أنه كان مجرد شجار بسيط لكن كل واحدة منا كانت تظن أنها على صواب، -ولا داعي لأذكر سبب الشجار لأن ذلك ربما لا يستحق-، أمضيت معها عاما دراسيا كاملا دون أن تهمس إحدانا باسم الأخرى، و دون أن تتقصد الواحدة النظر في وجه الأخرى، لكننا كنا نفعل ذلك خلسة.
شجار بسيط كان دافعا لأن تهدم علاقة لم تبنى من الأساس، لكن كان من الأفضل لو أننا تجاوزنا ذلك دون كثرة السيناريوهات التي جرت بيننا، مرت أيام كثيرة وكنت دائما ما أسأل نفسي إن كان علي أن أبادر بالمصالحة، أقنعت نفسي أنني لست من النوع الذي يخلق دوامة بغض مع أحد بمجرد خطإ بسيط قد يقع فيه أشخاص آخرون غيرنا، كنت أدفع نفسي دائما لطلب الإعتذار، لكن شيئا ما بداخلي يدفعني للتراجع، وكل مرة أقنع نفسي أنني في وقت لاحق سأفعل، و نسيت أن أسوء ما قد يفعله المرء هو أن يؤجل عمله إلى الغد…

زميلتي تلك علمتني أن الإعتذار ثقافة راقية، لا تنقص من صاحبه شيئا،الإعتذار أثبت لي أنه يولد الفخر لكل من بادر بطلبه، وأنه أكبر سبب قد يولد صداقة قد تدوم سنين عدة، بادرت بطلب الصلح في نهاية الموسم الدراسي، لأنني كنت على دراية أن الأقدار ستفرقنا و كل واحدة تحمل في قلبها نوعا من السوء لا داعي له من الأساس. اعتذرنا لأنفسنا ونحن نأمل أن لا يكرر الزمن الخطأ الذي وقعنا فيه سواء مع أنفسنا أو مع أحد آخر.

قبل هذه الحادثة أيضا كنت أتذكر أنني أنا التي كنت طفلة نشأت على العناد أو “قصوحية الرأس” كما نقول بالعامية المغربية، فلم يسبق لي أن طلبت الإعتذار من أختي، ولو كنت أنا المخطئة حتى وإن حدث ووقع بيننا نوع من الشجار نتصالح بطريقة أخرى بعيدة  كل البعد عن الإعتذار، كأن أطلب منها أن تمدني بالملح مثلا أو بالخبز، أو أن نتصالح جراء وعكة صحية قد تكون السبب الأول في نسياننا للشجار من الأساس، وكنت دائما أؤمن بحقيقة أن المصائب تقرب الناس من خلال ما كان يحدث بيني وبين أختي.

لا أعلم لماذا نحن شعب نحب أن نضخم الأمور أكثر من حدها، ونكون على استعداد لفعل كل شيء ما عدا قول كلمة “أعتذر” بالرغم من ليونة نطقها ولا يتجاوز أمر التلفظ بها أكثر من ثانية واحدة. حروفها لا تتعدى الخمس، لكننا شعب كما سبق  وقلت لا يحب الإعتذار.

حدث معي موقف في محطة “الطرام” ذات مساء وأنا أغادر مكان إقامتي، كانت العربة يومها مليئة للحد الذي جعلني أتضايق من الأمر، وبينما كنت في العربة كانت سيدة تدفع الناس لانها وصلت وجهتها، دفعتني بقوة دون أن تعتذر، غادرت الحافلة دون أن تكلف نفسها عناء الاطمئنان علي، فبدأت مجددا أفكر، لماذا نحن شعب لا يحب أن يعتذر!!

حدث ومضى، ولا يمكنني أن أنسى الكثير من المواقف التي جعلت مكانة أصحابها تكبر في عيني، شاب تعثرت به وطلب الإعتذار بالرغم من أنني أنا التي اخطأت، مسنة أعطيتها مقعدي في الحافلة واعتذرت، رجل بعمر والدي أعتذر مني حيث لمسني دون قصد، فتاة صغيرة طلبت الإعتذار لأنها لطخت ثوبي وأنا أحملها، صديقتي التي لا تتردد في مصالحتي يوم عيد ميلادي بعد أيام من الخصام، لا يمكنني أن أنسى كل هاته المواقف لكي أتذكر أخرى يتعجرف فيها أصحابها ظنا منهم أن الإعتذارتقليل من الشأن …

تعلمت أن الكرامة لا تدس تحت أرجل أحدهم اذا قلت “أعتذر”, حاربت ثقافة اللاشيء(كما كنت أسميها) بدءا من تفادي الشجارات التي كانت تحدث معي أنا ومن حولي، حتى وأن حدث وتخاصمت مع أحدهم كنت أبادر بطلب الإعتذار إن لم يفعل، وأصبح الجميع يعرف طبعي فيما يخص الإعتذار.
لا يجب أن نكون أنانيين أكثر من اللازم، و لنعلم أننا شباب واعي، يعرف ماله وما عليه، وإن حدث ووقع سوء فهم فبادر بطلب العفو والإعتذار، فهذا لا يجعل كرامتك تسقط، بقدر ما يجعلك فخور بنفسك أمام الآخرين.
لا أقول بأن تطلب الإعتذار دائما، لكن ما أؤكد عليه هو أن تطلبه ممن كنت ترى فيه صديقا لا تود خسارته لمجرد خلاف بسيط، بادر بطلب العفو من شخص، تعلم علم اليقين أنه هو الآخر قد يعتذر إليك في وقت قادم إذا أخطأ في حقك، وتذكر أيضا أن الله غفور رحيم، فمن نكون نحن حتى نجعل من الإعتذار عيبا، فالإعتذار ليس ولن يكون عيبا أبدا، لكن العيب أن نظن أننا دائما على صواب .

الإعتذار عن الخطأ لا يجرح ولا يهين.الإعتذار لا يمثل ضعفا ولا استصغارا في حقك، بادر ربما تكون اخر مرة تعتذر فيها، و ربما لن ينفع الإعتذار بعد فوات الاوان . فالإعتذار من شيم الكرام .
تعلم ان تقول “أعتذر ” فهي لن تقلل من شأنك شيئا، جرب أن تعتذر لأحدهم يوما، وأؤكد لك بأن الدنيا ستجعلك تبتسم، جرب فقط وستقول بأن فلانة صدقت.
سأختم كلامي هذا بقولة علها تستطيع أن تكون ذات وقع على أنفسكم وربما تغير من أحدكم.
يقول ألماهاتما غاندي:”الإعتذار لا يعني دائما أنك على خطأ والآخر على صواب، ولكن معناه أنك تقدر علاقتك بالشخص الآخر أكثر من ذاتك”.

مريم وكريم

مريم وكريم، أبلغ من العمر 19 ربيعا، طالبة جامعية، أقطن بإقليم طاطا . كاتبة و مدونة مغربية .. ناشرة على منصة رقيم، و مقال كلاود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *