كان خلقه القرآن

بعض من خصال سيد الخلق

لامناص من أن سيرة نبي الرحمة ما أمست أن تكون القمر الذي ينير دروب المتعطشين لها والحاملين لمشاعل العقيدة، فهي كسفينة نوح التي ستبحر بهم إلى البر في زمن ملغم بالفتن؛ والترياق الذي سيخلصهم من ديجور الضلال، وستبث في أرواحهم الحياة بعد الشح الذي كان يخيم عليها.
وهنا نستعرض أبرز القيم التي اتسم بها السراج المنير في حياته، فسيرته مرجع ونبع لاينضب لمن أراد الاغتراف منه بحثا عن السعادة والطمأنينة.
مما لا يختلف عليه اثنان أن نبي الرحمة أبلغ مثال للكمال البشري، فقد كان صلى الله عليه وسلم فصيح اللسان بليغ القول، قوي الشكيمة، بطيء الغضب ويسير الرضى، نقي السريرة نصيع اللفظ، وكان يقابل الأذية بالصبر، والجهل حلما وعفوا، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عز وجل)).
ومما لا غبار عليه أنه صلى الله عليه وسلم، بحكم جذوره العربية، تشرب بعض طباع العرب الحميدة من قبيل الكرم العطاء وغيرها… قد كان للعروة الوثقى نصيبا من هذه الشيم حيث كان كريما معطاء، فعن موسى بن أنس، عن أبيه، قال: ((ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه، قال: فجاءه رجل فأعطاه غنما بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة)) .
ولعل من أنبل الخصال القيادة والجسارة، وهذا كان جليا فيه صلى الله عليه وسلم حيث كان شجاعا لا يهاب، وثابتا لا يتزحزح، ملتحفا برداء العزة والقوة.
والأكيد أن الحياء خلق الإسلام، وهاته الخصلة هي الأخرى طبعت شخصيته الفذة عليه الصلاة والسلام، فقد كان مترفعا عن كل الرذائل، حييا، تنقبض نفسه عن كل المعاصي، ومتشبثا بحبل العفة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها)). وكان إذا كره شيئا عرفه الصحابة في وجهه. ولعل تواضعه جعل القلوب تحبه في الله، فقد كانت أخلاقه تلامس الروح فتهوى القلوب إلى هذا القائد الصنديد دون استئذان، ومما يدل على تواضعه العظيم – صلى الله عليه وسلم – تفضيله للأنبياء عليهم السلام على نفسه؛ فقد قال له رجل: يا خير البرية! فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك إبراهيم عليه السلام))، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى)).

والغني عن التعريف أن الوفاء والأمانة من الصفات التي لاحقته منذ ريعان شبابه، فعن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: بعثتني قريش إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألقي في قلبي الإسلام، فقلت يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((إني لا أخيس (أنقض) بالعهد، ولا أحبس البرد (الرسل)، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع))، قال: فذهبت، ثم أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلمت.
وهاته الشمائل ماهي إلا شذرات من مظاهر كماله صلى الله عليه وسلم، فيستعصي على المرء إدراك جميع خصاله أو سبر أغوارها، كيف لا وقد كان خلقه القرآن؟

كان خلقه القرآن

Exit mobile version