فاصل ولن نعود كما كنا

خذ فاصلا، ولا تعُد كما كنت..!

لم يكن يوما هينا، لقد كان يوما متعبا، متعبا جدا… منذ بدايته تأكد له أن شيئا ليس على ما يرام. منذ ليلة البارحة حتّى، شيء ما قد سلب وَقاره. إنه اليوم المعهود يا سادة. قد يبدو لكم يومًا حزينا بامتياز، لكنه يقدره ويقدسه، وينتظره بفارغ الصبر. لا، بل ويحبه أيضا. يعشق حزنه في ذلك اليوم. عجيب أليس كذلك ؟

في مثل هذا اليوم، يجد نفسه وحيدا، و أن العالم كله ضده، و أن لا أحد يحبه أو يكترث لوجوده. يخلو بنفسه في مكان ما. قد لا ينبس ببنت شفة لكن ما يحدث في عقله وقلبه يعادل ثورة أو ما أكثر.. يتجنب الصغير و الكبير، و لا يحب رؤية أحد.. حتى أقرب الناس إلى قلبه. يجلس وحيدا يفكر. يفكر في ما كان وما سيكون لاحقا. قد يبدو عصيّ الدمع، لكن عندما يعيد ما مضى في مخيلته قد يذرف دموعا، لا بل وقد يغسل وجهه بدموعه الهامية. يعيد ترتيب أفكاره، ويقف وقفة الأسد كأنّ شيئا لم يكن.

عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ، لربّما في لحظة ما وأنت مشغول بقراءة ما سبق، أحسست أنني قد وصفتك للتو، أنت لا غيرك، أليس كذلك؟ لا ريب أنك قد قلت لوهلة : “هذا أنا!”. هذا أنت، وهو، وهي، وهم، وهن، ونحن جميعا، عباد الرحمن الضعفاء.

كم مرة أحسست بالإحباط والفشل ؟ كم مرة أحسست بالضياع ؟ كم مرة ظننت أن النجاح والسعادة لا يعرفان لوصالك سبيلًا؟ مرة ؟ مرتين؟ ثلاث مرات؟ لا بأس. أعلم جيدا أنك جربت ذلك الشعور مرات و مرات. شعورٌ ينتابنا في أسو ء حالاتنا، يجعلنا نحس كأننا لم نكن سعداء قط. تمر علينا أيام نجد أنفسنا على حافية الطريق، تعشش في قلوبنا سحب كثيرة من القلق لا نعرف مأتاها.

تمر علينا أيام، نفقد فيها كل شعور، نجد أنفسنا مشدوهين أمام ما نعيشه ونُعايِشُه، تمر علينا أيام تحمل في طياتها دروسا لم نسمع عنها في صفوف المدرسة أو الكلية أو ما شابه من قبل، لكنها مدرسة الحياة. تلاميذها نحن، أساتذتها القسوةُ والابتلاء، ودروسها ما نكتسبه من تجارب.

انتصار السعيدي العلوي

في مثل هذه الأيام كل ما يسعك فعله هو الخلوة بنفسك يا صديق(ت)ي. أولا، احتراما و تقديرا لذاتك، و ثانيا، خوفا من جرح أحدهم، لأننا لا نعي حقا ما نفعله آنذاك. تساءل عمّا دهاك، قد يكون فشلا، فراقا، جرحا، خيبة أمل… و قد يكون سببا تافها جدا، لكن تراكم الأسباب التافهة يؤدي إلى أكبر منها.

اجلس جلسة رجل لرجل، أنت وذاتك وأفكارك ومشاكلك، حلل كلا منها واحدا تلو الآخر، تساءل عن الأسباب التي أدت لذلك وابحث فورا عن الحل. الحل دائما ما يكون جليا وَواضحا وضوحَ الشمس، لكن المشكل الأعوص يكمن في أننا نعطي الأمر أكثر من حجمه، فيستعصي علينا بذلك إيجاد حلول فورية. فكر جيدا… ستكتشف لاحقا أنك أعطيت للأمر قيمة لا يستحقها، ستكتشف أنك لست بالخاسر، لكنك الرابح الأكبر، لأنك تعلمت درسا من دروس الحياة التي لا تكاد تنتهي.

في مثل هذه الأيام، تستنزفك أسئلة عديدة أو بالأحرى تستفزك. من أنا؟ كيف وصلت لهذا؟ كيف هي علاقتي بخالقي؟ علاقتي بوالدي وعائلتي؟ من هم أصدقائي؟ هل حققت ما كنت قد ولدت لتحقيقه؟ هل أطوّر من قدراتي؟ … كل هاته الأسئلة قد تكون لها علاقة بالمشكل أو قد لا تكون، لكنها تظهر دائما في مواقف كهذه، فتجد نفسك قد مررت بكل جوانب حياتك، الكبيرة منها و الصغيرة.

آنذاك، عند وصولك لهذه المرحلة، تأكد أنك على أهبة التغيير، واعلم جيدا أنك قمت باستغلال هذه الأيام كما ينبغي. أيام عابرة، لكنها فعلا تبقي أثرا جليا على نفوسنا وتقوّينا وتجعلنا أحسن مما كنا عليه. أيام الابتلاء هذه، نعمة من الله؛ فهي بمثابة فاصل للتأمل في كل جوانب حياتنا، واتخاذ قرارات لتغييرها للأفضل، لذلك قلت أنها أيام يجب أن نحبها ونقدسها لأنها لا تأتي عبثا، إنما تحمل معها كل خير، وما خيرُ الخيرات إلا التغيير للأفضل.

ختامًـا.. خذ فاصلا، ولا تعُد كما كنت..!

انتصار

فاصل ولن نعود كما كنا

Exit mobile version