القيم المستخلصة من تجربة الكورونا

حرمان المعدة في رمضان أو حرمان الحرية في زمن كورونا؟

رغم إدراكنا التام لكون الصوم مفيدا للجسم والروح، إلا أننا ندرك فيه كل الإدراك أهمية الأكل والشرب وخاصة عند اقتراب عمر كل يوم من نهايته، ففيه نشعر بظمأ عامل وسط صحراء قاحلة لا يحمل في جعبته إلا قارورة ماء واحدة يروي بها جسده بالتقسيط لمدة طويلة، وفيه نشعر أيضا بجوع متشرد يجلس طوال يوم كامل قبالة محل لبيع المأكولات، يشاهد بكل حرمان المقبلين على الشراء ويطمع في وميض خاطف من الخير في روح كل مشتري..

يبقى رمضان تجربة ننعم بها كل سنة، ولكنها تجربة خلت هاته السنة من كل شيء إلا من القيم الإنسانية والروحية، لتحمل لنا الحياة بين طياتها تجربة أخرى ربما سنعيشها لمرة واحدة، تجربة أرهقت كاهل الكل وأثقلت صبر الصابرين، ربما هذه المرة لسنا أمام تجربة رحيمة كرمضان إلا أننا لا نعلم كم من الخير وسط كل مصيبة وكم من الراحة وراء العناء الطويل وكم من الجزاء وراء تضاعف وتكاثف الصبر والإيمان بخير القدر.

عندما استهليت التفكير في كتابة أسطر عن ما نعيشه وما الخير فيه من الشر، راح بي فكري قليلا لمقارنة تجربة الكورونا برمضان، ربما كان هذا ناتجا عن معايشة التجربتين في الوقت نفسه أو كوني عندما فكرت في القيم المستخلصة من رمضان والتي طالما فكرت فيها في كل رمضان أمضيته من ربيع عمري، فوجدت هذه المرة قيمة أخرى مضافة لأعلم بدون جهد في التفكير أنها راجعة لعصارة تجربة الكورونا، ففي رمضان كورونا هذا لم نشعر فقط بظمأ العاملين وبجوع المتشردين والمحرومين، فبعد غيمة الخوف التي اجتاحت العالم بأكمله من فقدان صديق أو قريب أو أخ أو أخت.. أو فقدان الحياة والرحيل للآخرة، سارع الكل بسجن نفسه في بيته والإغلاق على نفسه بقضبان الرعب والأمل القريب في معانقة الخارج بعد ترك الفيروس يتجول وحيدا ويصارع الوحدة حتى الرحيل، جعلنا كل هذا نشعر أيضا بحنين كل سجين للحرية، أدركنا قيمتها الكبيرة التي لا تباع ولا تشترى وأدركنا مرارة العيش بدونها، فنحن بحاجتها كحاجتنا للماء وحاجتنا للأكل ولم لا حاجتنا للتنفس، ألسنا نتنفس الحرية؟ فهواء الخارج المفعم بها مميز عن الهواء بعيدا عنها..

لكن ما يروي الأمل فينا هو كونها تجربة ولكل تجربة نهاية، لكن النهاية هنا لن تأتي بدون سابق إنذار كما فعلت البداية، فالنهاية تتطلب الكثير من الصبر والجهد والحرمان للقضاء على الفيروس المسبب لكل هذا لنركض من جديد لمعانقة قيمة الحرية.
وقبل نفاذ أحرف كلماتي في هذه الأسطر، تذكرت اقتباسا لكاتب طالما أحببت كلماته عن قيمة الحرية:
“كم أنت غالية أيتها الحرية، كم أنت جميلة، كم أنت رائعة! ألست أنثى، وقد ركب الله في طبيعة العباد عشقك منذ أن خلقت.. يا لك من أنثى ذات سطوة جبارة، من أجل عينيك وجد الآلاف أنفسهم في غيابات الجب، ومن أجل الحصول عليك سالت دماء الملايين على التراب الطهور.. أي أنثى مثلك يبذل في سبيلها البشر هذا الحجم المرعب من التضحيات..”
من رواية “يا صاحبي السجن” لأيمن العتوم.

القيم المستخلصة من تجربة الكورونا

دليلة عطاوي

طالبة بيولوجيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *