سعي إلى الثراء النفسي والروحاني

البحث مفتاح الوصول الى الحقيقة

لو قمنا بفحص يومنا الروتيني وكيف نقضي معظم أيام حياتنا، قد نشبهها بالبندول، فعندما يصير معنا شيء جيد في محيطنا الخارجي، كترقية شغل أو زيادة راتب أو حتى أي نوع من المدح نتلقاه لأجل جهود بذلناها يراودنا حينها إحساس بالراحة، ولكن الغريب في الأمر أنه بعد وقت قصير، تشعر أن هذا المرتب الجديد وهذا المديح الذي حصلنا عليه أصبحا بلا قيمة ولا معنى، فنعود مجددا إلى الإكتئاب ونتأرجح من جديد من حالة ذهنية إلى نقيضها، بين الثقة والخوف، بين الفرح والكآبة، بين الهدوء والعصبية ،بين السلام والغضب، وبين القدرة على اتخاذ القرار والتردد، وثم نصير عالقين في مشاعر العبث واللاجدوى من جديد.

على الرغم من أنك تبحث عن إجابات من هنا وهناك، إلا أنك في النهاية تفقد الأمل، وعلى الرغم من إيمانك بأنه من الممكن أن يعاودك الشعور بالرضى، إلا أنك ستتألم بمجرد معرفتك أنك ستغرق في الفراغ في اليوم التالي. إذا ما الحل لهذه المعضلة؟

يجب أن تقنع نفسك أنه من خلال التجربة الفعلية،لا يمكن لأي شخص أو ظرف على هذه الأرض أن يمنعك من تجربة حياة جديدة، أيضا أنت لن تستطيع أن توقف نفسك، ولكن هذا فقط إذا كنت على استعداد لتغيير ما أنت عليه ولست أقصد هنا تغيير السلوكيات أو نمط تفكير معين، وهذه نقطة من المهم أن تفهم بالشكل الأمثل؛ بل تغيير جذري لحقيقة من أنت!

فتحويل حياتنا يعتمد على تناسب مقدار الحقيقة التي ممكن أن آخذها وأستوعبها دون الهرب منها، لكن ما المطلوب للقيام بهذا التوازن؟ هناك شرط واحد فقط، ليس القوة أو الثقة بالنفس ولا أي شيء من هذا القبيل، بل هوالرغبة في البحث والإستعداد للإستماع وتعلم شيء جديد، وبعدها كل شيء يصبح ممكنا.

كلنا وبدون إستثناء نشعر أنه يجب أن يكون ثمة شيء أبعد من حياتنا العادية والنمطية، ومهمتك هنا هي رفع هذا الشعور اللاواعي إلى مستوى الواعي، هكذا يبدأ الثراء النفسي والروحاني بالظهور.

فكر باللؤلؤ، فلا قيمة له وهو في قاع البحر، القيمة الحقيقة له فقط عندما يتم استخراجه من القاع، أنت أيضا بإمكانك مواجهة كل الصعوبات التي تعترض طريقك كباحث صادق، مع أنه في اللحظة التي تشرع في هذا النوع من البحث والسعي، قد تصطدم بهجوم وتضارب أفكارك نفسها، فتشعرأن ما تفكر به قد يكون مجرد وهم، ومن الممكن أن تتألم لاحتمالية أنه هذه الإجابات الجديدة قد لا تكون موجودة بالفعل، وإخفاقاتك السابقة أيضا تجعلك تقتنع بأنك سترجع بأيادي فراغة.

لكن إذا استمريت على الرغم من كل هذه الشكوك والإخفاقات، من المؤكد أنك ستعثرعلى إجابة ولو لم تكن كاملة، وبإمكانك الاستمرار في هذا السعي، فهذا هو البحث الحقيقي عن الكثير من الأشياء في الحياة والكون كله.

فعلا ثمة آخرون وجدوا الإجابة ولكن هذا البحث يجب أن يكون بحثا شخصيا وذاتيا، وأن تكون لديك الشجاعة الكافية لتتبنى مبدأ أن كل ضوء بسيط وخافت يؤدي إلى المزيد من الضوء، فقط عليك أن تتجرأ أكثر، لتحصل على ما تريد، وهل الهدف النهائي هو أن تكون شخصا روحانيا؟ ربما..لكن ليس بالمهم، لأن الروحانية والتنوير هي مجرد كلمات مثلها مثل أي كلمات أخرى موجودة في القاموس،فلا تحاول أن تكون أكثر روحانية، ضع هدفا أبسط أمامك كأن تصبح فردا يعمل بشكل طبيعي وجدي مثلا، واجعل هذا المبدأ هو الذي يشكلك وفقا لطبيعتك الحقيقية،كإنسان بسيط صادق وغير خائف، فالروحانية الحقيقية هي تجسيد للصحة العقلية.

وهل فقط النية في البحث عن الحقيقة تكفي؟ بالطبع لا، لأنه ليس من الضروري أن تسعى إلى الحقيقة بالطريقة الصحيحة، وهذا البحث يبدأ من خلال إطار ذهني صحيح، ومع استعداد للتقبل. كل شيء يعتمد على الطريقة التي نستوعب بها الحقيقة، بمعنى يجب أن تقع بذور الحقيقة على أرض خصبة وليس أرض صخرية، بعدها كل شيء يبدأ بالتغيير، السلوكيات،والأنماط، والعادات،… قد نتساءل لماذا نفشل في كسرعادات غير مرغوب فيها؟ والجواب هو؛ لأن الشخص الذي يحاول كسر هذه العادة،هو نفسه محاصر بها – لا يمكن تغيير ذاتنا المزيفة، ولا يجب تغييرها- يمكن تذويبها واستبدالها بذات حقيقية، ومن الضروري معرفة الفرق بين الاثنتين، فلا يمكن تغيير الأسد ليصبح قطة، ولكن يمكن استبدال الأسد بالقطة، ومهمتنا هي تذويب الذات الزائفة والخيالية، واستبدالها لكي نستطيع العيش في مركز وجودنا الحقيقي.

محمد ايت اباحمو

كاتب، و طالب بالمدرسة العليا للأساتذة تخصص فلسفة ، 20 سنة، و مهتم بقضايا العصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *