سئمت الانتظار

تساؤلات عميقة عن مآلات العيش بين بني البشر

سئمت الانتظار عند باب المحطة كأني مجرد حائط أو متشردة أو متسولة حتى أني صرت أسمع عمال المحطة يتكلمون عنى؛ من تكون وكيف لسيدة في عمري لا تزال تنتظر!! ما الذي تنتظره كل هذا الوقت؟ ألم تسأم الانتظار؟ حتى أني طرحت نفس التساؤل لماذا لا أزال أنتظر؟ هل هذا الانتظار له نتيجة أم هذا مجرد مضيعة للوقت؟ وهل ما أنتظر يستحق كل هذا الانتظار؟ كم هو صعب الانتظار في حالتي هذه…

المحطة فارغة من جديد والقطار يهددني بالانسحاب من جديد كأنه يود أن يقول سأغادر من جديد وأنت لا تزالين تنتظرين منذ تلك الساعة، إنه لا يستحق، هيا اركبي ولا تنظري للخلف مجددا فإن الحياة لا تنتظر، يكفي كل هذا الوقت الذي ضاع فهو لا يستحق هيا غادري…
لكن أملي لا يزال قائما في هذا الباب الذي أنتظر عنده فأحلامي تستحق التضحية والصبر؛ ليس كل ما نطمح له سنصل له بسرعة فوجب الانتظار والتريث في كل خطوة للوصول لقمة الحلم. لكن هذا الذي أنتظره سيأتي ليراني أم سيتركني في باب المحطة تائهة لا أعرف الوجهة، هل أنا من المسافرين أم من المستقبلين لهؤلاء الضائعين مثلي في هذه الحياة.. هل تستحق المحاولة من جديد أم هي مضيعة للوقت وللجهد؟ لا اعرف كيف لكن شيئا هنا بداخلي يعلمني أني سأصل إلى ما أصبو إليه في آخر المطاف. إذن، إن أخبرك أحد بأنك قد فشلت فقل له سأحاول من جديد، وإن قال لك هذا فقط مضيعة للوقت فقل له مادامت هناك حياة فهناك أمل ومادام الأمل موجودا فالفشل والنجاح متساويان كالموت والحياة، إذا فلا داعي للخوف من الموت؛ انس وجود الفشل فهو مشكل الأغبياء طبعا.

لحظة التأمل من جديد هي الحل لإعادة ترتيب الأفكار بل للنظر إلى كل الأوراق المبعثرة في داخلي؛ إني لا أزال أفكر في كل الماضي الذي يؤلمني بالداخل بل الذي يمزق كياني وهو أني كنت ولازلت أثق في الناس وأقول إن الحياة لازالت بخير ما دام هناك أنا، فهناك أناس مثلي يتعاملون بطيبة.

في هذه الحياة من يحلم كثيرا، وحسن القول أن سهام لا زالت تنتظر في محطة كل زوارها هم من الفاقدين للأمل داخل الحياة الفارغة من كل الحلم الذي يعطي لها نفسا جديدا وإحساسا منعشا للمضي قدما.. حقا ما تنتظره هو الأمل أم الفشل؟ هل ستكون من الناجين أم ضحية ككل الضحايا الذين سبق لهم الفشل واختاروا الهروب من الفشل الاجتماعي إلى فشل أكبر ألا هو التخلي عن الحلم والانصياع للأمر الواقع دون مواجهة؟ إن الهروب من ساحة المعركة يعد غدرا ليس فقط جبنا..

القطار عاد إلى المحطة من جديد لكن في جعبته زوار جدد؛ أناس مثلي فضلوا العودة والموت في ساحة القتال بدل العيش كالموتى لا مستقبل ولا حاضر، أرى نفسي من جديد داخل زوبعة الماضي و تقلبات الحاضر، لم أعد أفكر في المستقبل كحلم فقط بل صرت أراه هو اليوم الذي لم أعشه بعد حتى إني نسيت الساعة التي تحمل معها كل ساعة من حياتي.
فتح باب القطار أمامي على مصراعيه أرى أناسا من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار ومن كل الأحجام، مع اختلاف طفيف، هو أنهم يضعون أقنعة تختلف من شخص لآخر ومن لون لآخر، كما أن لغتهم لربما تشبه لغتي لكن معانيها وصياغتها وهدفها وطريقتها لا تشبه ما أتفوه به.
أين أنا إذن؟ أنا لم أتحرك من مكاني، من هؤلاء أو بالأحرى من أنا؟ لماذا يتغير الناس؟ لماذا يحبون أن يظهروا في حلل لا تمث لهم بصلة؟ كيف لي أن أتعامل مع أناس لا يثقون بأنفسهم بل بالأحرى لا يحبونها بالرغم من أنها جميلة وهادئة؟ لماذا يحبون السلطة والهيمنة؟ لم الظلم لم الغدر لم الحرب؟ هل لابد من العنف وسفك الدم؟ لم الرياء والنفاق؟ هل نحن بني البشر نحب الدمار أم هناك شيء غير ظاهر؟

عادت بي الذاكرة إلى الواقع المؤلم الموحش. يسألونني لماذا أحب الجلوس وحدي واماذا أفضل الجلوس في باب المحطة.. ولماذا لم تسأمي الانتظار… لأعاود الجواب بأني لم أعد أتحمل ما يحصل في زمني وداخل بلدي، فوق قلبي يوجد جرح يبدو بسيطا لكنه عميق.. إذا ما رأوا ما يحصل في زمني لكرهوا هذا النوع من البشر، هذا الصنف المرئي بالعين هو البشر، الحامل لصورة كائن مصلح لكنه في الحقيقة وحش داخله مليء بالكره، بحب السلطة يحب امتصاص الدماء وخاصة دماء الأبرياء من نساء وأطفال ورجال.

صارت المحطة الآن مليئة بأناس يضعون أقنعة، هل هم من الوحوش؟ كيف إذن عرفوا مكاني؟ لماذا يلاحقونني هل يخافون من تلك الوجوه الممسوحة أم هم أيضا هاربون؟ لكن ممن؟ لربما الهروب صار موضة هاته الأيام من الواقع للبحث عن الأفضل لكنهم حمقى لا يعرفون أن المقعد محجوز باسمي منذ زمن وهو لي أنا وحدي لا مكان لأيد ملئت بالدماء ودمرت الحياة فوق سطح الأرض المباركة أي مستقبل لمن ظل حيا فوق الدمار وأنقاض ماض بئيس وأشلاء جثث؛ كيف يمكن أن نسأل طفل اليوم عن أحلام الغد أو بالأحرى أي سؤال ليتيم اليوم عن ذكريات الماضي ومخططات الحاضر وأحلام المستقبل.. ضعنا إذن؛ أين أنا وأي قطار سأركب وأي وجهة سأقصد.

محطة اليوم يصل لها أناس بلا وجوه، مهووسون بالمال والأعمال، أصحاب نفوذ محبون للسلطة، هم كائنات تشبه رجل الخبز من ناحية الجسد لكن مختلفون عنه في الهدف، في التفكير، في طرق المراوغة والتحليل والتخطيط، يصبون لإبادة رجل الخبز بيد رجل الورق المخلص للقلم الرافع لكلمة الحق والكاره للظلم. برجل الورق اليوم يباد رجل الخبز البسيط الحالم بأسرة ورغيف.. كيف السبيل لنجاة رجل الخبز من وحشية وسلطة أصحاب النفوذ اليوم؟
صرنا نرى نسمع نتألم ولا نتكلم، نموت ليحيا رجل السلطة بينما يموت طالب الرغيف.. ألم وفاة وهجران وترحيل ولجوء، أين نحن بل إلى أين الوجهة!! كابوس يخلق لنا دوامة الماضي الأليم دونما رجعة.

التاريخ يبتسم كونه هو المنتصر، أطفال أبرياء سيعيشون مفارقات الحياة شروق غد أفضل بأمل لعيش أحسن، وبوادر حروب على الأبواب، ورغم القصف والتنكيل والهجران لاتزال ابتسامة الأمل على محيا اليتيم وشرارة حلم بسيط تقفز من حدود بلد إلى آخر.
العيش الكريم البسيط مطلب صعب المنال.. لنعد للسلام والقناعة بالقليل لأن ما نحلم به كثير ولن يكون سوى دمار للأوطان، ولن يعيد رجل الخبز بل سيعيد رجل السلطة، سيعيد الظلم سيعيد الألم سيعيد اليتيم إلى كنف العبودية سيعيد جرح الماضي الدفين وعودة الوباء إلى سطور رجل الورق. سرطان فتاك ينخر سطور الكلمة الصادقة والهادفة، الخوف من المواجهة جعل الأقلام تلجم والسطور تجهض والعقول تدخل سباتها الشتوي!! المبادئ انتحرت والأخلاق رحلت والقيم بعثرت لتأخذ منحى آخر..
أي محطة هذه من هؤلاء؟ أين رجل الخبز؟ إبادة وعنصرية، قوانين ديكتاتورية، سجون قمعية وسلاسل عصرية بيد رجل الورق.. استسلام دونما مقاومة، طلاب دونما نواة جامعات دونما هدف؛ عودة إلى بداية الطريق ومتاهة حلقة مفرغة لاستعمار قديم.

سئمت الانتظار

سهام حجري

صحافية و مديرة نشر بمجلة مغربية عربية و رئيسة جمعية ,حاصلة على الاجازة في الصحافة و ايضا على ماستر تواصل ثقافي كما سبق لي ان اشتغلت بالعديد من المواقع الالكترونية و الجرائد الورقية و ايضا عملت في اذاعة فاس الجهوية و بالتلفزة المغربية لفترة وجيزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *