قالب الحلوى

قصة واقعية

قبل زواجنا بأسبوع واحد، هاتفتني أمه مساء ذات يوم، أمسكت السماعة وأنا متلهفة لما ستقول؛ طلبت رؤيتي في اليوم الموالي، وأنا كالبلهاء، سارعت لألبي موعدها وأنا التي شاهدت مرارا في المسلسلات مع أختي كيف تبدع الأمهات في وضع الحد للعلاقة التي تربط أبناءهم بفتيات من الطبقة المتوسطة، فكيف لم أحس بأنها ستطلب مني أن أفارق ابنها دون أي سبب يذكر عدا أنه ليس من مستواي؟ لم أكن أعلم أن موعدنا سيحدد مصير علاقتي به…

تعرفت على”عصام” في محل بيع الحلوى، بالضبط في عيد ميلاد أمي الأربعين، تقابلنا عند البائع قبل أن نتجادل عمن سيأخذ القالب الواحد المتبقي، كنت مصرة على أخذه لأنني أعلم أن أمي تحب قالب الحلوى المصنوع من الشوكولا والمطلي بها من الأعلى. لم يكن “عصام” هو الآخر أقل إصرارا، تجادلنا كثيرا قبل أن يرن هاتفي، وكان والدي المتصل يسألني عن سبب التأخر، وعن القالب!! أخبرته أن السيد مصر على أخذ القالب الوحيد المتبقي ومازلنا نتجادل في انتظار أن نتوصل لحل يرضي كلا الطرفين. لما سمع “عصام” أن القالب لأمي لم يرد أن يستمر في النزاع حول القالب الذي علم بأنني أستحق أن آخذه كونه لذكرى ميلاد أمي وليس لي، كان أول موعد لي معه تماما كأول لقاء بين آخر مسلسل شاهدته رفقة أختي على شاشة التلفاز، لم نختلف في شيء قط، ماعدا أن أبطال المسلسل ذاك استمرت علاقتهما إلى أن حظي الاثنان بنهاية سعيدة تستحق أن تروى، بينما نحن انتهت علاقتنا قبل أن تبدأ حتى.

ثاني لقاء لي مع “عصام” كان في مطعم وسط المدينة، كنت في عشاء عمل مع المدير وزملائي في العمل، و كان هو مع فتاة يتناولان العشاء على مهل، إلتقت عيناي بعينيه فلوح لي بيده، وبدوري فعلت، لكن لم تسنح لنا الفرصة ليلتها لنتعرف.
ثالث لقاء كان وسط السينما، كانت صديقتي “روان” من أكثر الناس حبا للأفلام السينمائية، ولم تكن تفلت واحدا دون أن تشاهده، أصرت علي كثيرا لأرافقها، ففعلت بالرغم من أنني لم أكن من هواة السينما أبدا، بل كنت أفضل أن أقرأ كتابا بدل مشاهدة فيلم ربما لن أستفيد منه شيئا سوى أنني سأغوص في علاقة البطلين وككل مرة تنتهي قصتهما بالسعادة، كنت أرى جميع الأفلام نسخة من فيلم واحد كان قد عرض من زمان، لذلك لم تكن الأفلام تستهويني بقدر ما أراها لا تناسبني أبدا. انتهى الفيلم بعد أحداث كثيرة وبعد تقلبات في الشخصيات والصفات، وقبل أن نغادر السينما التقت عيناي مرة أخرى بعصام، ويا ليتهما لم تلتقيا به!!
يومها كان هو الآخر بصحبة شاب؛ بمجرد أن رأيته علمت أن القدر يلعب لعبته التي ربما لا تبشر بالخير. اقترب مني وأخبرني بأن الأمر خرج عن الصدفة ولا شك أن القدر أرادنا أن نتعرف بعد قالب الحلوى الذي جمعنا؛ ولأول مرة تعرفت عليه، تبادلنا أرقام هواتفنا، كنت أراه شابا مدللا لا يصلح حتى لأن أملأ به جانب رأسي، إلا أن الأيام جعلته أسيرا للقلب الذي لم أعرف كيف ومتى بدأ حبي له…

التقيت مع “عصام” مرتين واثنتين وثلاث، تطورت علاقتنا برمشة عين، وقعنا في الحب دون سابق إنذار، تغيرت نظرتي له كثيرا، لم يكن مدللا كما حسبته من قبل، لكنه كان شابا خلوقا، يفهم كل شيء ما عدا كيف يتصرف مع الحب، لطالما قهقهت ضاحكة عليه في كل لحظة حاول فيها أن يقول لي كلمات رومانسية لكنه لم يكن يفلح.

مرت أيام شاء فيها القدر أن يجمعنا. تقدم “عصام” لخطبتي رفقة والده ووالدته وأخته الصغيرة، كنت أسعد فتاة، وكأنني أنا أولى بنات جنسي التي يتقدم شاب لخطبتها؛ كان الرفض التام يظهر على وجه أمه بالرغم من أنني حاولت أن أبين لها أنني من أجمل خلق الله، ولست كبعض العروسات اللواتي بمجرد أن يتزوجن يخطفن الإبن من حضن أمه فيصبح عبدا لزوجته وينسى أعواما عملت فيه الأم على جعله رجلا شهما وفي أفضل أحواله.

التقيت والدة عصام في اليوم الموالي، كان موضوع حديثها شيئا لم أتوقعه نهائيا، لم تقل شيئا ما عدا أن عائلتي ليست من مستوى عائلتهم، فأبي مجرد بائع خضار بينما والد “عصام” رجل أعمال كبير؛ كنت قادرة على أن أفهم كل شيء ما عدا أن يفرق الحب بالمال.
لم أضف كلمة بعدما سمعت ما تفوهت به المرأة التي كانت من الأجدر أن تصبح حماتي بعد أيام قليلة، تركت كل خيبتي التي وقعت ضحية لها، غادرت دون أن أبرر سبب المغادرة، غادرت عائلتي بعدما حاولت أن أخبرهم أن حفل الزفاف لن يحدث أبدا لأسباب يجهلها الجميع ونعرفها أنا و”عصام” فقط. غادرت المدينة التي كانت شاهدة على ولادة حبنا، غادرت السينما والمطعم ومحل بيع الحلوى، حتى أنني إلى اليوم ما زلت ممتنعة عن تذوق قالب حلوى الشوكولا فقط حتى لا أتذكره. غادرت كل شيء حتى لا يصل إلي “عصام” لأنني كنت متيقنة أن حب الأم لا يعوض، بينما أي حب آخر قد يعوض لاحقا…

كانت أغرب قصة وقعت معنا، أن جمعنا قالب الحلوى و فرقتنا الأعراف والمال…

قالب الحلوى

مريم وكريم

مريم وكريم، أبلغ من العمر 19 ربيعا، طالبة جامعية، أقطن بإقليم طاطا . كاتبة و مدونة مغربية .. ناشرة على منصة رقيم، و مقال كلاود