عنصرية شوهت الأوطان

هل نحن فعلا ضد العنصرية؟

استفاق العالم بعد سبات قرون متواصلة، ليندد بالعنصرية..
ذلك الفعل المشين الذي يربطونه بلون البشرة فقط، وأصبح الجميع فجأة يرفع شعار ”لا للعنصرية” بشكل سطحي وبطريقة غبية، ينشر فيديوهات للشعب الأمريكي في مواجهاته مع قوى الأمن، ويرصد تجاوزات هذه الأخيرة ويوثق للهمجية التي اتسم بها البعض من سرقة وتخريب وأعمال شغب..
أشفق كثيرا على هؤلاء الناس، الدائمي التعاطف، مع كل شيء و من أجل أي شيء..

ترى ما هي العنصرية؟ هل نحن فعلا ضد العنصرية؟ هل يفهم الواحد منا معناها أو نحن فقط نجيد ركوب الأمواج، ونسعد بنشر بضع كلمات منقولة منشورا عن آخر حتى نعبر عن درجة وعي نحن في أمس الحاجة لها!

العنصرية هي فعل تمييز فئة على حساب أخرى، غير مرتبطة باللون فقط! بل مرتبطة بالجنس، فنميز الذكر عن الأنثى وسط المجتمعات الذكورية ونحبط هذه الأخيرة لدفن صوتها مهما كان على حق. العنصرية مرتبطة بالغنى والفقر، فنرفع الغني ونعطيه قيمة ثم نطحن الطبقة الفقيرة لتصير أفقر، مرتبطة بالنسب، فتسمع عبارات من قبيل أنا ابن فلان وجدي فلان فنرفع الشخص لنسبه ونوظفه لنسيه ونبيعه الشهادة لنسبه وننسى أصحاب الكفاءة!
العنصرية مرتبطة بالعرق.. فعندما تتشبث بالحديث بلغتك الأمازيغية مثلا حتى وأنت مع شخص عربي لا يفهم لغتك فأنت هنا تمارس عنصرية من نوع آخر؛ ويبقى التمييز الممارس على الأساس الديني أخطرهم، فتجد امرأة ترتدي حجابها مرفوضة ببعض الوظائف أو مقصية من بعض المباريات! فلا يندد أحد، ولا يستفسر أحد!!
تعددت الأوجه، والمعنى واحد!

فعل التمييز هذا يمارسه الكل! الطبيب والأستاذ والموظف البسيط والوزير.. فعل مستفز قاهر ظالم، لم نندد به من قبل، إذن ما الذي تغير الآن؟ هل لنا القدرة بأن ننتفض كما ينتفض هذا الشعب بكل ما أوتي من شغب وأن نثور وأن نصرخ وأن نقول لا للعنصرية الدائمة ببلدنا، بمجتمعاتنا العربية؟ أم أننا عندما نواجه أبشع أشكال التمييز ننطوي على أنفسنا ونكتفي بتدوينة على وسائل التواصل أو رسم كاريكاتيري كأبعد تقدير؟ هل سنستمر بالتخويف من أن نوقد نار الفتنة فنصبح يوما كسوريا أو ليبيا أم أنه قد طفح الكيل ويجب علينا فعلا إيقاف هذا التمييز الساخر؟

يجب أن نبدأ من أنفسنا.. نحن عنصريون إلى أبعد حد. تخلوا عن سطحيتكم وكفوا عن مراقبة الشعب الأمريكي وتقييم احتجاجاتهم إن كانت تعبر عن حضارة أو تخلف، مع أن الحضارة تكمن في احترام الآخر ورفض التمييز كيفما كان، توقفوا عن التضامن مع أي شيء، عن نشر هاشتاغات وصور لا تمت لكم بصلة.. انزعوا العنصرية التي تسكن دواخلكم أولا وتخلصو من المحسوبية والزبونية والواسطة، وكفوا عن قياس الأشخاص بثرواتهم ونسبهم.. عند ذلك فقط يحق لكم أن تنددوا بالتمييز.

عنصرية شوهت الأوطان

سارة صالح

مدونة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *