شريط مقتضب من ذكرياتي

نوستالجيا الطفولة: هروب من الصخب

في جو من السكينة والهدوء، وعلي إيقاع موسيقى هادئة، تتلاشى ضغائن الحاضر والمستقبل وتسبح ذكريات الماضي في فلك الوعي، إنها ذكريات الطفولة المفعمة بالحيوية والنشاط والحياة غير المسؤولة، طفولة بريئة ومستعصية الفهم، بعيدة عن صخب المراهقة والشباب.

أغتبط من تذكر طفولتي التي مرت من مراحل عدة، ومن أماكن مختلفة، بدءا من بلدي الأم مرورا بمدينتي الصغيرة التي ترعرعت فيها، وصولا إلى ما أعتبره بلدتي التي درست فيها حتى سن الثامنة عشرة، قبل مغادرتي إلى مدينة الصخب التي سلبتني براءتي رغم منحها لي الحرية في العيش والإستقرار منعزلا عن عائلتي الصغيرة، التي لطالما ربطتني بهم أواصر الحب والشوق من حين لآخر…

رغم كل الظروف التي مررت بها وأنا ما زلت يافعا، لازلت أتذكر وبشوق رحلة الطفولة التي أشكر الحظ لإعطائها لي، رغم كل سلبياتها والتي لا أتذكر منها سوى مرارة العيش بعيدا عن أصدقائي الذين ترعرعت معهم وبينهم، لتعلقي الشديد بهم وبذكرياتنا البريئة.. لا زلت أحمل لهم كل الحب والوفاء على ما قدموه لي من حب وإخاء…

أتذكر ذلك اليوم الذي نزعت فيه عباءة الطفولة، أمتعض من تذكر ذاك اليوم، كان يوم شؤم، يوم انتقالي إلى المدينة التي درست فيها من سن الخامسة عشرة حتى سن الرشد، كان رشدي يومئذ اليوم الأول من ابتعادي عن حضن عائلتي وارتمائي في أحضان مؤسسة داخلية، يومها أحسست بأنني بدأت بالاعتماد على نفسي رغم عدم اقتناعي التام بذلك، لكن وقعها كان إيجابيا علي حتى يومنا هذا، فقد منحتني الفرصة لأستكشف وأعبر عن نفسي رغم كل الظروف المستعصية، اكتسبت أصدقاء جددا، نمط حياة مختلف، أسلوب تفكير مغاير… اعتبرني فزت لقاء هذا الخصم الذي نزع عني صفة الطفولة في سن بدا لي مبكرا نوعا ما، خاصة وأني الفتى المدلل لعائلتي..

انتقالي لمدينة الصخب جاء بعد حصولي على البكالوريا والدراسة خارج أسوار محيطي المتوسط، لأرتمي مجددا في أحضان مدينة لا ترحم، أفرزت مني هذا الإنسان الذي يكتب الآن والذي لم يعد يعطي للحياة أملا في أن تصطاده يوما ما، أصبح محيطي يكبر شيئا فشيئا، تتقاذفني طيات صفحات الحياة من نمط لآخر، أصبح محيطي أكبر نوعا ما، تعرفت على الكثير من الأصدقاء ولا أذكر أني أملك ذكريات سيئة مع أحدهم، فعلاقاتي كانت وما تزال طيبة مع الجميع…

تبخرت أشواقي لملامسة ومحاكاة الطفولة، لم لا والشخص هو نتاج ذكرياته، وطفولتي صارت ذكرى لا غير. استسقيتها فقط من هذا الجو الهادئ الذي أعيشه الآن بين جبال الأطلس المتوسط في عطلتي التي ستنتهي قريبا، لتبدأ رحلة العمل الصاخبة ولتتبخر ذكرياتي في انتظار عطلة أخرى ربما تذكرني بأشياء سأسردها في وقتها.

هكذا هي الحياة وهكذا ستستمر…

شريط مقتضب من ذكرياتي

وسيم زرقطوني

طالب باحث ومستشار في مجال التكنولوجيات