خمود الطب الإسلامي

جولة مشوقة حول خبايا الطب الإسلامي مقارنة بالطب الغربي خلال العصور الوسطى

إن الطب في الحضارة الغربية كان عبارة عن غرفة تعذيب من فيلم رعب أو غرفة حمراء من قعر الديب ويب، كل عملياتهم معنونة تحت مسمى “الرعب”؛ وسأسرد لكم بعض قصص الرعب التي عاشها الغربيون في ظل التخلف الغربي قبل مجيء التحضر الإسلامي الذي أخرجهم من الظلمات.

لعلاج الصداع والاضطرابات النفسية، كان أطباء العصور الوسطى يلجؤون لعملية جراحية شهيرة تعرف بـ“نقب الجمجمة”، حيت يضرب المريض على رأسه بآلة حادة، غالبا ما يستعملون منشارا خاصا لتخفيف الضغط على رأسه، ويجمع بعدها الممرضون الأشلاء التي تهشمت من الجمجمة. كانت وسائل التخدير حينها بدائية للغاية خلال العصور الوسطى، لذلك كانت العمليات الجراحية تجرى دون تخدير، لتكون شديدة الألم، وفي بعض الأحيان يقومون باستخدام خلطة من النباتات والخمور وغيرها من المركبات، التي للأسف قد تكون سامة وأحيانا قاتلة!
وأحد أشهر خلطات التخدير إبان العصور الوسطى، تعرف بـ”Dwale“، التي كانت تصنع من مرارة الخنزير والخل والأفيون مع إضافة أوراق نبات الخس، ونبات الشوكران عالي السمية، ليتم بعد ذلك إضافة الخمور والنبيذ.

كان الرهبان لفترات طويلة يتولون أمور الطب خلال العصور الوسطى، لأنهم الوحيدون الذين كانوا يستطيعون الوصول لأفضل كتب الطب العربية واليونانية، لكنهم أضافوا لعلاجتهم الكثير من الطقوس والخرافات.
على سبيل المثال كان الأطباء (رجال الدين) يتنبؤون بنجاة المريض وشفائه من خلال معرفة ما يوجد أسفل أول صخرة قريبة من منزل المريض، فيشير وجود الذباب أو الديدان إلى أن المريض على وشك أن يتعافى!!

استعمل أطباء أوروبا في العصور الوسطى، أدوات حادة كالسكاكين أو الإبر لعلاج إعتام العين أو الساد، فيدفع الجراح بالإبرة من خلال قرنية المريض ويواصل الدفع حتى ينتزع عدسة العين المصابة، لكن لسوء الحظ بعد كل هذا الألم، كانت أغلب تلك العمليات تبوء بالفشل، ويخسر المريض نظره نهائيا.

بعد وصول الأدوات العربية إلى أوروبا، زادت نسبة نجاح تلك العمليات بنسبة كبيرة، فقد كانت تمتاز الإبر العربية بفوهة صغيرة تعمل كماصة، لانتزاع عدسة العين المتضررة، دون إحداث أذى بأجزاء أخرى.
وفي الوقت الذي كانت تعيش فيه أوروبا في ظلمات الجهل والتخلف؛ كان المسلمون يقيمون حضارة مبهرة، وفي الوقت الذي تجاهل فيه الغرب الأوروبي تراثه اليوناني كانت كتب جالينوس وأبقراط تترجم في بغداد، وكان مجال الطب من المجالات التي ازدهرت في ظل الحضارة الإسلامية.

التخصص أساس النجاح: لم يكن الطب عند المسلمين مجالً واحدا بل كان ينقسم إلى عدة فروع وتخصصات، الجراح المتخصص في إجراء العمليات الجراحية (الجرائحي) إلى جانب من يتخصص في طب الباطنة (الطبائعي) ، بالإضافة إلى من يتخصص في طب العيون (الكحال)، وهناك من يتخصص في معالجة الكسور (المجبر).

البيمارستان، مستشفى العصور الوسطى: كان البيمارستان بمثابة مؤسسة حكومية تعالِج بالمجان وكان هناك نوعان من البيمارستانات، فهناك البيمارستان الثابت الذي ينشأ في مكان محدد وهناك البيمارستان المتنقل وهو عبارة عن قافلة من الأطباء الذين يصحبون معهم أدواتهم الجراحية ومجموعة من العقاقير والأدوية ويطوفون بها وسط القرى والمدن ومن يحتاج العلاج يتم علاجه في الحال -مثل القوافل الطبية حاليا-؛ وقد تم ابتكار هذا النوع في عهد الخليفة المقتدر العباسي. وكان للاستشفاء داخل البيمارستان طقوس متعارف عليها، ففي البداية يغتسل المريض ويترك أمواله وملابسه عند أمين الخزانة ثم يرتدي ملابس جديدة، بعدها يتوجه إلى فراشه المعد ويتم تزويده يوميا بالدواء والغذاء المناسبين له وتتبع حالته الصحية.. وعادة ما كان يلحق بالبيمارستان حمامان أحدهما للرجال والآخر للنساء وذلك للطهارة والنظافة، وفي بعض البيمارستانات كانت العناية بالمرضى أمرا مهما لراحتهم كبيمارستان المنصور قلاوون في القاهرة الذي وفر للمرضى مراوح من الخوص للتخفيف من حرارة الجو، وبيمارستان أحمد بن طولون الذي اشترط على المرضى عدم المغادرة إلا بعد تناول دجاجة كاملة مع الرغيف.
ولم تكن البيمارستانات مؤسسات علاجية فقط بل كانت مؤسسات تعليمية، فقد تحول إلى شبه كليات طب متنقلة يتم تزويد المرضى بمعلومات حول مرضهم وجسدهم بصفة عامة، تم تزويدها بقاعات المحاضرات ومخازن الكتب المليئة بالمصنفات الطبية، وكان رئيس الأطباء يجلس ليُلقي دروسه في الطب للطلبة الراغبين في الاستماع إليه.

الجراحة والتخدير الكلي: كانت الجراحة لدى الأطباء المسلمين تخصصا مستقلا بذاته وكانت على درجة كبيرة من التقدم، فقد برع الأطباء المسلمون في استئصال الأورام كسرطان الثدي والفخذ وبرعوا في جراحات البطن والأنف والأذن، كما نجح الجراح الشهير أبو القاسم الزهراوي في خياطة الجروح بشكل داخلي لا يترك بعدها أثرا ظاهرا.. كما عرف الأطباء المسلمون بالعديد من الأدوات الجراحية فقد ضمن الزهراوي في كتابه “التعريف لمن عجز عن التأليف” صورٌ لأكثر من مائتي آلة جراحية ابتكرها واستخدمها بنفسه في إجراء عمليات جراحية، والابتكار البديع الذي ابتكره الأطباء المسلمون في هذا التخصص هو (الإسفنجة المخدرة) وهي بمثابة تقنية البنج الكلي حاليا حيث كان الجراح بحاجة إلى تخدير المريض قبل إجراء العملية الجراحية له..

وبعد كل هذا التقدم والازدهار أخذت منا شعلتنا للأسف وبقينا في ظلامنا الدامس حتى تعودنا عليه.. حتى أصبحت أعيننا تنفر الضوء وحتى أصبحت عقولنا تحب الخمول، واكتفينا بالمشاهدة على حافة القمة والاستهلاك فقط..
ويمكنكم في هذا الاطلاع على كتاب “ الطب الإسلامي في العصر الوسيط ” من تأليف الكاتبان بيتر و. بورمان، إميلي سافاج- سميت… كما ينصحكم فريق مدونة زوايا بمتابعة هذا الفيلم القصير الذي أنتجه الغرب عن حضارة المسلمين الذهبية.

خمود الطب الإسلامي

بابا لبير

أنا طالب السنة الأولى بكلية العلوم؛ شعبة رياضيات الإعلاميات, لكن شغفي بالأدب و الكتابة يضاهي شغفي بالعلم. كنت قد شاركت في عدد تظاهرات أدبية كانت محلية منها أو وطنية لعل أبرزها تحدي القراءة العربي الذي مثلت فيه جهتي وطنيا مرتين على التوالي حاصلا على المرتبة 11 و 14, مع أنني أشرع في إكمال روايتي المعلونة تحت " قطرات مطر متبخرة "