الغروب الأخير

ذكريات مصاب بالفيروس التاجي

لم يكن في الحسبان أن يصيبني هذا الفيروس الفتاك، كورونا المستجد، فقد حاولت جاهدا اتخاذ كل وسائل الوقاية من اعتزال التجمعات، النظافة الدائمة، وغيرها من الوسائل التي تحدثت عنها وسائل الإعلام والدولة. وقع الذي لا يتمناه أشد المتشائمين.. فقد أصبت بنزلة برد ذهبت على إثرها للمشفى الذي حسبته معقما لكنه لم يكن كذلك بالمرة.

عدت في المساء الى المنزل المتواجد بمدينة ووهان الصينية؛ وعلى أعتاب زجاج نافذتي الشفاف وقفتُ متأملا منظر المدينة التي تعد وطني. تمنيتُ لو يسلم الجميع، صليت بعدها وكانت كل أدعيتي أن ينالنا الشفاء وأن نناله. بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وأوروبا، والعالم بأسره. سقطت بعدها أرضا، حملت على إثرها للمشفى للكشف عن السبب. عرفت حينها ما يجري بعد أن وجدت نفسي محاطا بأطباء يرتدون ملابس بيضاء، كمامات على الأفواه، نظارات، وقفازات متينة.. أنا مصاب، أنا فيروس متنقل، فاضت من معيني بعض القطرات، لأجد إحدىٰ المساعدات تمسحها بمنشف طبي معقم، وترمي به في سلة وضع بها ملصق: إحذر، لا تلمس.

أدركت حينها خطورتي، أدركت الإنسانية المحدودة، وتمنيت ألا أغادر هذا الكون إلا وقد ألقيت نظرة أخيرة على المدينة، أراقب الغروب، تلامس خيوط يدي بعض النسمات والهبات الريحية الموسمية..

أخبرت الطبيب بذلك، وبعد مشاورات مع رؤسائه عاد إلي بخبر سعيد في زمن الكورونا.. ستحقق آخر أمانيك.
اتخذت مكاني على السرير الطبي، شرطيان في جانبي، كلي مغطى بالملابس البيضاء.. نسيم يلاطفني، لا ينفك يتداخل بين الملابس الطبية وجسدي، كان هو الشيء الوحيد الذي حاول لمسي مع علمه بأني مصاب.. كنت أراقب المدينة، تائها في التفكير، مرغما على البكاء لتوديع المارة الذين لا تراهم عيوني بالمرة، فقد كنت في منطقة الحجر الصحي.. كانت آخر ما رأته عيناي، غروب شمس مدينة ووهان، مدينة الشموس الغالية.

كنت قد قرأت عن العشاء الأخير، وأنا الآن أكتب عن الغروب الأخير.. منتظرا ملك الموت، ليذهب بي إلى حيث مهجعي.

إلى اللقاء يا عائلتي، يا أصدقائي، يا غروب، يا ووهان، يا صين ويا عالم.. أتمنى بموتي أن ينقطع دابر الفيروس وتنعموا بالسلام.

الغروب الأخير

عبد الرحمان الفراع

أعمل كتقني صيانة في مكتب أساليب الصيانة الميكانيكية.