البروفيسور والمفكر المغربي المهدي المنجرة

نبذة عن حياة المفكر المغربي المهدي المنجرة

يعتبر المهدي المنجرة من أقوى المدافعين عن الشعوب المستضعفة عبر العالم وبالخصوص الشعوب العربية. إذ أنه كان دائما يحث على الإهتمام بتحسين ظروف عيش المواطن العربي إلى الأفضل وتلبية كل حاجياته الضرورية، كحقه في التعليم والصحة وحرية الرأي والتعبير…إلى ما إلى ذلك من الحقوق المدنية التي أصبحت الآن من الضروريات لاستمرارية الحياة على هذا الكوكب.

و يعتبر هذا المفكر العظيم من الرواد الذين لن ينساهم التاريخ أبدا بفضل مواقفه الحازمة التي تجسدت في تصديه لسياسات الدول الإستعمارية في حق بلدان العالم الثالث،إذ يعتبرها خطط وإستراتيجيات تخدم مصالح هذه الدول الإستخرابية، وخصوصا سياسة الولايات المتحدة الأمريكية وعولمتها المفروضة على شعوب بلدان الجنوب و العالم العربي، إذ يعدها ( أي أمريكا ) بمثابة ” ميغاإمبرالية ” وذلك لنهجها سياسة تجعل العالم بأسره تابعا لها في مختلف المجالات ليس الإقتصادية والسياسية فحسب بل حتى الفكرية والثقافية.

فهي تريد بسياسة العولمة والقمع تجريد كل البلدان من ثقافاتها المحلية وتبنيها للثقافة الغربية الجديدة تحت مفهوم الحداثة والتواصل والإنفتاح الثقافي، وهذا ما يخشاه المهدي المنجرة موضحا ذلك في كل مؤلفاته عن الغرب فيعتبره خطرا كبيرا على البشرية قائلا: ( إن القوى العالمية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، تمارس الإذلال على بلدان العالم الثالث، التي تنصاع لذلك من غير كثير اعتراضات، قبل أن تمارس الإذلال بدورها على جماهيرها ذاتها، و لهذا فإن هذه الأخيرة تعاني من ذل مزدوج ينضاف إليه ذل ثالث وهو الذل الذاتي ويتمثل في الإمتناع عن الفعل. ومن حقنا الحديث عن الذلقراطية، أي النظام السياسي والثقافي الذي يستغل التفاوت في علاقات القوة الداخلية و الخارجية معا…). مقتطف من كتاب “الإهانة في عهد الميغاإمبريالية“.


و قد كان له استياء من الجامعة العربية ودورها ككيان سياسي عربي، فعوض أن يخدم هذا الأخير مصلحة الشعوب العربية وسط المنصة السياسية الدولية، يقوم بتنفيذ أوامر القوى الإمبريالية الخفية،حيث تتقاسم الأنظمة العربية المصالح المشتركة التي هي بدورها مصالح المستعمرين داخل هذه الجامعة التي أصبحت مخزية لا فائدة منها في نظر المفكر المهدي المنجرة رحمه الله.

فأثناء اجتماع زعماء الأنظمة العربية داخل القمة يقومون بتبادل المجاملات والتحيات و الحوار الذي لا فائدة منه سوى تغيير مسار نقاش القضايا الرئيسية التي هي الهدف من وضع هذه القمة، وأكثر ما يزعج القادة العرب أثناء القمة هو قضية القدس وفلسطين فالكل يبدأ يتمتم ويخشى أن يزهق كلمة تكون سببا في تلقيه عقابا قاسيا من دولة العم سام أو الدولة العبرية الوهمية في نظرنا كشعوب، الشرعية في نظرهم كزعماء عرب.

وقد كان للمهدي المنجرة موقفا حازما في هذا الأمر إذ يؤكد قائلا في كتابه ” الإهانة في عهد الميغاإمبريالية ” : ( إن حكامنا يقبلون الذل ممن هم أقوى منهم، وبالخصوص من أمريكا وإسرائيل، وحين يقبلونه يسقطونه علينا كشعوب…).وقد تنبأ بالربيع العربي وأكد على أن الشعوب لا تقبل الإهانة لفترة طويلة حيث سيشهد العالم العربي انتفاضات في وجه الذلقراطية إذ أن كثرة الضغط تولد الإنفجار.


و ساهم بشكل فعال في وضع مخططات ومنظومات تعليمية للعديد من الدول الأوروبية وتزعم عمادة أشهر جامعاتها، و في تسعينيات القرن الماضي تزعم عمادة أشهر الجامعات اليابانية، ويعتبر أول أجنبي يحصل على وسام الشمس المشرقة من طرف امبراطور اليابان سنة 1986م ،وذلك عن بحث بخصوص أهمية النموذج الياباني لبلدان العالم الثالث،وعمل أيضا بكلية العلوم الاقتصادية بلندن أستاذا محاضرا وباحثا في الدراسات الدولية، كما شغل عدة مناصب دولية كبيرة و هامة، ففي سنة 1962م عينه “روني ماهو” المدير العام لليونسكو آنداك المدير العام لديوانه، وتم انتخابه رئيسا “للاتحاد العالمي للدراسات المستقبلية” سنة 1981م،كما تم تعيينه كمستشار خاص للمدير العام لليونسكو سنة 1975م، وشغل منصب منسق لمؤتمر التعاون التقني بين الدول الأفريقية ما بين 1979م و 1980م، و كان عضوا ب”الأكاديمية العالمية للفنون والعلوم“، و”الأكاديمية الإفريقية للعلوم“، والأكاديمية الأوروبية للعلوم والفنون والآداب”، و“الجمعية العالمية للمستقبل“، و”الاتحاد العالمي للمهندسين المعماريين“، و”منتدى العالم الثالث“، ونائب رئيس “جمعية الصداقة بين المغرب واليابان“. وكان المهدي المنجرة أصغرالأعضاء سنا في “نادي روما” منذ تأسيس النادي سنة 1968م، وكان أيضا أحد الثلاثة الذين ألقوا التقرير الثاني لنادي روما والذي نال استحسان جميع المختصين والذي صدر سنة 1979م تحت عنوان: “لا “حدود للبحث والدراسة” و ترجم إلى اثنتي عشرة لغة عبر العالم.


بعد تأليفه كتاب “نظام الأمم المتحدة ” سنة 1973م، خرج من هذه المؤسسة الأممية سنة 1976م وتخلى عن جميع حقوقه فيها من تقاعد وتخلى معه عن الاستفادة من راتبه، بعد تيقنه أن القيم التي تسير عليها الأمم المتحدة تخدم لصالح القيم المسيحية واليهودية فقط، الشيء الذي أثار غضبه ليخرج بذلك و يؤكد أنه تمت تحالف صليبي يهودي ضد الإسلام والمسلمين داخل هذه الهيئة الدولية ليعلن فقدانها لشرعيتها ونزاهتها الدولية وقد برز ذلك في مختلف مؤلفاته التي خصص صندوقا من عائداتها المالية لجعلها كمنح لجائزة (التواصل شمال جنوب)، ومن بين مؤلفاته “ حوار التواصل ” و “الإهانة في عهد الميغاإمبرالية” و “ القدس رمز وذاكرة ” و ” انتفاظة في زمن الذلقراطية “و ” قيمة القيم ” و “عولمة العولمة “، كما أنه في سنة 1990م أسهم بشكل فعّال ومتميّز في تنظيم أوّل لقاء حول مستقبل الإسلام، وكان ذلك بالجزائر العاصمة، وشارك في اللقاء العديد من العلماء والمثقفين من بينهم الغزالي والغنوشي والترابي والقرضاوي، و حصل إجماع بين مجمل الحاضرين بخصوص أن الإسلام وصل إلى أسوأ درجة من التقهقر في العصر الحالي لأن المسلمين ابتعدوا عن الاجتهاد والتجديد وسجنوا أنفسهم في الماضي دون الانفتاح على المستقبل حيث يؤكد المفكر المغربي على هذه القضية في قولته الشهيرة ( الإسلام ليس له مسلمون في مستوى قيمه ) مقتطف من كتاب الإهانة في عهد الميغاإمبريالية…وفي نهاية اللقاء اتفق الجميع على ضرورة التصدي للأمية ومحاربة الفقر عبر توزيع عادل للثروات داخل البلدان فيما بينها، وتخصيص استثمارات أكبر وأهم للبحث العلمي، للخروج بالعالم الإسلامي من نطاق الدول المتخلفة.


و العجيب في الأمر أن مثل هذا المفكر والرمز والشخصية التي نفتخر بها لكونها خرجت من صلب الشعب المغربي خاصة والمجتمع العربي عامة لم تحظى بالشهرة الواسعة التي يستحقها داخل مجتمعه العربي والاسلامي بينما في المجتمعات الغربية والأجنبية تعرفه حق المعرفة، بل تمت استشارته لأكثر من مرة من طرف بلدان عديدة في قضايا مختلفة كانت تطلب منه تقديم استراتيجيات دقيقة لتطبيقها في مجالات عدة كالتعليم والاقتصاد، بينما في مجتمعاتنا لا نرى أن مجال لتشاور متاح بين مفكرينا والنخب السياسية في حكوماتنا وأنظمتنا، وهذا ما يجعلنا نتأكد للمرة المليون أن نخبنا السياسية هم عبارة عن جماعات من المرتزقة تتاجر في مستقبل الأمة ولا تريد مصلحتها بل تريد أن يبقى الحال على حاله لتجد الذريعة للبقاء في كرسي السلطة أو الرئاسة.


وتبقى حياة البروفيسور والمفكر المهدي المنجرة أطول بكثير من هذه الأسطر التي دونت فيها بعضا من جوانب حياته التي كانت مليئة بالإنجازات الهامة التي ستعود علينا بالنفع إذا ما طالعناها،كيف لا وهو قد خلف لنا موروثا ثقافيا كبيرا لا يمكن تجاهله والبحث عن بديل له، وسيبقى هوالحل الأمثل للخروج من هذا الواقع المليء بالأزمات الخانقة التي تبقينا في بحر التخلف والانحطاط و التقهقر.

يونس مدين

طالب شعبة الرياضيات و التطبيقات بجامعة بن طفيل بمدينة القنيطرة بالمغرب، عضو المكتب التنفيذي لمؤسسة المهدي المنجرة للفكر و الإبداع، مهتم بالشؤون التاريخية و السياسية و القضايا الدولية