لكل فتاة بطلها

وبطلي كان أبي

أحيانا يصعب على المرء طي الصفحة والمرور لصفحة أخرى، لأننا نعلم أن ما طويناه في تلك الصفحة سينتقل معنا وسيلاحقنا فمداد حبره لايزال عالقا بأطراف أصابعنا، لا هو قادر على التنصل منا ولا نحن نقوى على تنظيف أيادينا من بقاياه.. أو لعل كون من نريد تجاهلهم ونسيانهم نحملهم في أرواحنا لا في صفحاتنا وحسب.

كم هو صعب التعود على الغياب وعلى الفراق الطويل على فقدان من نحب! والأصعب أن تغادرنا أرواحنا مع من رحلوا، أن نصبح جثثا تسير على قدمين، كجثامين تحمل نفسها ولا تدري أين سينتخي بها أو بالأحرى متى؟ فما لمن مات وهوعلى قيد الحياة إلا أن ينتظر موعد موته…

أحيانا يموت الإنسان وهو على قد الحياة، حين ترحل عنه أفراحه وضحكاته وما كان يبهجه ويسري عنه ولا أحد يعزيه في فقدانه لنفسه سواه كجنازة يشيعها بمفرده وحيدا تائها…!

مللت الدنيا وقوانينها المخربة ماعدت أقوى على التحمل كأن جبالها رست على صدري، كأني أسير تحت الأرض لا عليها، أصبحت أرى السماء ترابا ما عدت أرى زرقتها في الصباح ولم أعد أميز بين شروق الشمس وغروبها تشابهت لدي الأوقات وتوحدت بالنسبة لي الفصول، الدنيا أضحت كليل طويل ممطر مخيف وموحش...

لم أكن أدري يا أبتي أنك كنت صباحي وصيفي وربيعي، كنت كل شيء بالنسبة لي، لكنني بعدك أصبحت لا شيء…
طيفك يرافقني أينما وليت وجهي حتى أصبحت أقول ربما ربما أنت.

كلما كبرت كلما كبرالجرح بداخلي وكلما اتسع الفراغ الذي تركته بقلبي بعد رحيلك، نجحت في كل شيء أبتي لكنني فشلت في تضميد جراحي، هكذا أبدو قوية من الخارج وصلبة لكن في الحقيقة في دواخلي لازلت طفلة صغيرة تحتاج لوالدها، لذلك السند الذي إن اتفق الجميع على إيقاعها تجده يمد يده لها لينقذها لذلك الجبل الراسخ الذي يسندها مهما عصفت بها الحياة.

ها قد حل الشتاء، فالآن لي حرية البكاء أينما شئت لتتخالط دموعي بالمطر فما أعود أدري أأبكي المطر أم يبكيني!! إنه الفصل الوحيد الأقرب إلى قلبي أشعر كأنه يواسيني ويهدئ من روعتي وكأن همومي أثقلته فيسكبها مطرا…
أبي، وددت فقط لو أخبرك أنك كنت دائما بطلي وهكذا ستظل…

لكل فتاة بطلها

رحمة الحمدوشي

طالبة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية شعبة الاقتصاد