الكلمة الطيبة

عن أثر الكلام الطيب ومفعوله

إن من أعظم النعم التي قد يمن الله بها على أحد من عباده هي أن يرزقه الطبع اللين ورقة القلب وصفاء السريرة، فيجعل كلامه طيبا سلساً يتسلل إلى قلوب من حوله فلا يؤذي أحدا بكلماته اللاذعة ولا يقلق نوم أحد بقسوة ما يصدر عنه. يقول الله تعالى {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (الآية 159 من سورة آل عمران).

بأسلوب التعامل والحديث فقط يمكن لأي منا أن يحتل مكانة في قلوب الناس أو ينفرهم منه. يقول مصطفى صادق الرافعي: “في جمال النفس ترى الجمال ضرورة من ضرورات الخليقة وكأن الله أمر العالم ألا يعبس للقلب المبتسم”.

وكثيرا ما تستوقِفُني هاته الآية {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (الآية 32 من سورة المائدة).
أعلم أن تفسيرها يخالف تماما ما أنا بصدد كتابته، إلا أنني كلما قرأتها أشعر أنها تحثنا على إحياء النفس بأي شكل من الأشكال. ألَيْسَتِ الكلمة الطيبة واحدة من دوافع إحياء كل شعور جميل بدواخل الشخص؟ أليست الكلمة هي ذلك البلسم الشافي الذي ينتشلنا من متاهات أنفسنا؟ بها نستطيع أن نحيي أملا قد غاب أو أن نعيد لأحدهم الرغبة في المضي قدما بعدما يكون قد فقد الرغبة في المسير، بالأسلوب اللين قد نجعل من ضلّ الطريق يرى سبل الرشاد قد نساعد العديد على إتباع النهج القويم واقتفاء آثار الصالحين، فإذا كانت الابتسامة في وجه أخيك صدقة فما بالك بالكلمة الطيبة؟!
يقول الله تعالى في الآيتين 24 و 25 من سورة إبراهيم {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تؤتي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}
قد تكون الكلمة سببا في شفاء إنسان وإسعاده أو التخفيف من ألمه أو حتى الأخذ بيده ونصحه بالتي هي أحسن وكثيرا ما دعى ديننا إلى التعامل بالحسنى و اللين في القول لقوله صلى الله عليه وسلم -ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم- ..هكذا يكون تأثير الكلمة الطيبة على عدوك قد تجعل منه صديقا لك وليس اي صديق بل صديقا مقربا. فكيف سيكون تأثيرها إذن على أحبابك ؟

ثمة أحاديث وآيات عديدة تستوقفنا في هذا الصدد وتحثنا على الالتزام بالقول الطيب وهذا يدل على أن الإسلام لم يأتي فقط من أجل العبادات ولا لكي يحدد لنا ما الحرام وما الحلال بل لكي ينظم تعاملاتنا وعلاقاتنا فحتى بعض الأمور التي قد تبدو من وجهة نظرنا -القاصرة طبعا- تافهة أو سطحية نجد أنه سلط عليها الضوء وأعطاها أهمية كتلك التي أسندها للعبادات.

إن دعوة خالقنا لنا للتعامل بالحسنى لم تأتِ عبثا بل لأنه يعلم جليا مدى تأثير الكلام على نفوس عباده لا سيما أن للكلمة الطيبة مفعول قوي جدا على تركيبتنا النفسية وهذا ما يفسره انشراح الصدر والبهجة التي نشعر بها عندما نكون برفقة أشخاص كلماتهم داعمة وإيجابية، على عكس ما نشعر به عندما تكون وسط محيط يملأه الانتقاد والقذف والنميمة وما إلى ذلك…

غالبا ما تعكس طريقة حديث الشخص وأسلوبه في الكلام جزء كبيرا من شخصيته وطباعه، وليس هناك أجمل ولا أرقى من الشخص الهيّن الليّن، أو كما يقول عليه الصلاة و السلام “ألا أخبركم بمن يحرُم على النار أو بمن تُحرَّم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هين لين سهل”.

حديث نبوي شريف

نجد أن علم النفس -أيضا- يؤيد وبشدة ما جاء به دين الإسلام من دعوة إلى الاتصاف باللين وطيب الكلم وحسن الخلق حيث أكدت دراسات عدة أن الكلام الطيب المليء بالحنان والعاطفة يؤثر بشكل ايجابي على الجهاز المناعي لدى الإنسان ولا يخفى علينا جميعا ذلك الشعور الجميل الذي يعترينا عندما نسمع كلمات مادحة ومشجعة لنا،شعور يجعلنا نحس بارتفاع في معنوياتنا ورغبة في تقديم المزيد والعطاء أكثر مهما كانت الظروف من حولنا…

بإمكان الكلمة الطيبة والايجابية أن تجعلك تشعر أنك تعيش في عالم جميل وأن جهودك لا تذهب سدى فتستشعر مكانتك وقيمتك لدى المحيطين بك وهذا وحده كاف ليجعل منك إنسانا منتجا وفاعلا في مجتمعك.

الكلمة الطيبة قد تفعل في الإنسان ما لا تفعله الأدوية القوية فهي حياة خالدة لا تفنى بموت قائلها”.

الكاتب يوسف زيدان

فليكن الكلام الطيب أسلوب حياة بالنسبة لنا جميعا ولنقتفي أثر ونهج سيدنا وحبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام ولتكن هذه العبارة دائما نصب أعيننا “قل خيرا أو اصمت”. وبدل قذف الآخرين وشتمهم وإيذائهم بكلمات تجعل قلوبهم تنزف ألما، كلمات تمنّوْا لو لم يسمعوها يوما لأنها تسمم أبدأنهم وتؤرق مضاجعهم وتشعرهم بالعجز والدونية، فلنجعل من الكلام الطيب شعار قلوبنا لأنه و قبل كل شيء رمز من رموز هويتنا الإسلامية والتي تعد مسؤولية عظمى على عاتق كل مسلم منا حيث أن الدين يتجلى في التصرفات والمعاملات و السلوكيات قبل الشعائر الدينية، والإيمان الذي نشعر به في أعماق قلوبنا حري به أن يترجم إلى أفعال كما يقول عليه الصلاة والسلام الإيمان هو ما وقرَ في القلب و صدقه العمل.
فلتكن الكلمة الطيبة تأشيرة عبورنا إلى قلوب من حولنا ولنجعل من الابتسامة في وجه بعضنا البعض عادة لنا…

الكلمة الطيبة

Exit mobile version