المملكة المغربية العقدة الأبدية للنظام الجزائري

"عار الجار على جارو"

في الوقت الذي تسخر فيه جل دول العالم إمكانياتها من أجل التغلب على العديد من التحديات التي أضحى يفرضها منطق العالم المعاصر، وذلك عن طريق تكتلات إقليمية ودولية تهدف إلى مواجهة التحديات المشتركة، يستمر النظام الجزائري في تغدية الصراعات الإقليمية وزرع بذور الفتنة كما هو الشأن في ليبيا، عن طريق دعم مليشيات إرهابية خارجة عن سلطة القانون والشرعية الدولية، وهذا موقف ليس بغريب عن النظام الجزائري. وبالعودة إلى العلاقات المشبوهة التي تربط هذا الأخير بالكثير من الأنظمة الشيوعية مثل كوبا، نجد أن منطق التعاون بين النظامين قائم على هدف يتيم متمثل في تجاوز العقدة الأبدية، ألا وهي المملكة المغربية.

وضعية اقتصادية كارثية
تشير مختلف التقارير الدولية على أن الاقتصاد الجزائري يسير نحو الهاوية
، فحسب بعض الأرقام الرسمية تهاوى احتياطي العملات الصعبة في الجزائر حيث وصل إلى ما دون 79.8 مليار دولار سنة 2019 وذلك نزولا من 179 مليار دولار سنة 2015، كما أن عجز ميزانية الدولة بلغ أزيد من 16 مليار دولار، وقدر الدين العمومي ب 30 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، بالإضافة إلى أنها تعتمد على 97 بالمائة من إيراداتها النفطية لتمويل الموازنة وتغطية الواردات.
صنف تقرير التنافسية العالمي في الفترة الممتدة بين 2018 و 2019 الجزائر في المرتبة 92 من أصل 140 دولة، كما أن منظمة الشفافية الدولية (ترانسبرنسي) صنفت الجزائر في المركز 105 عالميا من أصلة 180 دولة شملها التصنيف، ناهيك عن نسبة الفقر التي بلغت 12 في المائة السكان أي أن 15 مليون جزائري يعيشون تحت خط الفقر.

لماذا يعادي النظام الجزائري المغرب ؟
يمكن القول أن السبب الظاهري الذي يجعل النظام الجزائري يكن عداء منقطع النظير للمغرب هو قضية الصحراء المغربية، حيث تحاول الجزائر أن تضعف المغرب عن طريق دعم جبهة البوليساريو الانفصالية، مسخرة في ذلك عائدات النفط والغاز الطبيعي، وقد أهدرت مليارات الدولارات في الإنفاق على تسليح ميلشيات انفصالية ذات طابع إجرامي وإرهابي، بالإضافة إلى سياسة شراء ذمم بعض القادة الأفارقة الفاسدين والذين لا يهمهم سوى تكديس الدولارات في حساباتهم المصرفية متناسين مصالح شعوبهم، في حين أن الشعب الجزائري كان أولى بهذه الأموال نظرا لما يعيشه من احتقان اجتماعي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.

مع اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999 عرف المغرب مرحلة جديدة اتسمت بالانفتاح السياسي والحقوقي وأجريت العديد من الاصلاحات الدستورية متمثلة في دستور 2011 والذي وصفه العديد من المراقبين الدوليين بأنه من بين الدساتير العربية الأكثر تقدما، كما نجح المغرب بقيادته في تحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية وثقافية، مستفيدا في ذلك من الاستقرار السياسي والموقع الاستراتيجي للمغرب والذي يجعله متمسكا بجذوره الإفريقية وعلاقاته القوية مع دول الاتحاد الأوروبي.
شكلت عودة المغرب للاتحاد الافريقي سنة 2017 “صداعا حاد” للنظام الجزائري، فتوالت البيانات المستفزة من الخارجية الجزائرية ووضعت ضغوطا على مجموعة من الدول الإفريقية الفقيرة من أجل عدم التصويت لعودة المغرب، بالإضافة إلى الحملة الإعلامية الشرسة التي شنتها وسائل إعلام جزائرية حينها، لكن الرد المغربي كان قويا جدا، فقد صوتت 39 دولة لصالح عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، فيما صوتت 8 دول ضده إضافة إلى الجزائر، والفضل لهذه العودة المغربية القوية إلى افريقيا راجع بالأساس للسياسة التي ينهجها المغرب بقيادة الملك محمد السادس والذي ينظر إلى أفريقيا كفرصة لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه هذه القارة، بمعنى أن المغرب ينظر لأفريقيا بنظرة المستقبل الواعد والتنمية وليس بنظرة تغذية الصراعات وسياسية الابتزاز.

حسب تقرير مجموعة “فينانشل تايمز” حول الأسواق الاستثمارية الأجنبية، أصبح المغرب أول مستثمر أفريقي في أفريقيا حيث تصل استثمارات المملكة إلى 5 مليارات دولار في 22 مشروعا كما أن المغرب ثالث مستثمر أجنبي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، بعد كل من الإمارات والسعودية، فيما تقدم على جنوب إفريقيا التي تستثمر فقط 2.9 مليار دولار في الخارج، على الرغم من أن عدد المشاريع المستثمرة يصل فيها لـ72 مشروعا، كما أن المغرب أضحى يستقبل تدفقا كبيرا للاستثمارات الأجنبية نتيجة لمناخ الأعمال المحفز والاستقرار السياسي.

كل هذه المنجزات التي استطاع أن يحققها المغرب في ظرف وجيز جعلت النظام الجزائري يعيش حالة من “الهوس” الغير الطبيعي بالمملكة، فبالنسبة له يشكل المغرب مصدر إزعاج نظرا للتطور الديمقراطي و الحقوقي الذي شهده وذلك يفضل ذكاء الملك محمد السادس الذي استطاع أن يستثمر موجة الربيع العربي في تكريس النهج الديمقراطي الذي اختاري منذ اعتلائه العرش سنة 1999.
وبينما كانت العديد من الأنظمة العربية الديكتاتورية تواجه احتجاجات الربيع العربي بآذان صماء وقمع شعوبها، اختار الملك محمد السادس الاستماع إلى مطالب شعبه وبلورتها في إطار إصلاحات دستورية تمثلت في دستور 2011 الذي يعد من بين الدساتير العربية الأكثر تقدما بشهادة العديد من الخبراء الدوليين؛ هذا النهج الديمقراطي لن يعجب النظام الجزائري وسيجعله يلجأ “لتحرشات متكررة” ضد المغرب من أجل النيل من وحدته الترابية، وهو ما يتبين من خلال تحليل أبرز المواقف التي ميزت فترت حكم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بو تفليقة والرئيس الحالي عبد العزيز تبون.

علاقة وطيدة بين العرش والشعب
ما لا يفهمه النظام الجزائري هو أن الشعب المغربي تربطه علاقة قوية جدا بالمؤسسة الملكية، والتي تجسد بالنسبة له خطوطا حمراء من الخطير تجاوزها، فبالعودة إلى التاريخ نجد أن جلالة المغفور له محمد الخامس عندما نفي يوم في 20 غشت 1953 ثار الشعب المغربي وشكل هذا الحدث مسألة حياة أو موت بالنسبة لعامة الشعب، وهو ما تجسد في مختلف مظاهر الغضب التي عمت الأوساط الشعبية والعمليات الفدائية التي استهدفت المستعمر الفرنسي، وتحت الضغط القوي للشارع تحققت عودة الملك إلى عرشه يوم 16 نوفمبر 1955 وبدأت مسيرة بناء المغرب الجديد الذي أسماها الملك محمد الخامس ب”الجهاد الأكبر”. ما يستفاد من خلال هذه الواقعة التاريخية هو أن اللحمة القوية بين الشعب المغربي و المؤسسة الملكية قوية جدا ومحاولات النظام الجزائري تهديد أمن و استقرار المملكة عن طريق دعم الحركات الإرهابية والانفصالية لن تزيد المغرب إلا قوة.

كيف سيكون المستقبل؟
من المعلوم أن المغرب والجزائر يجمعهما تاريخ مشترك ومستقبل مشترك، وتبقى الجزائر هي من يجب أن تقرر إما العيش في سلام وازدهار وتعاون مشترك مع محيطها الإقليمي والقاري، أو البقاء أسيرة إديولوجيا نهشها الصدأ.
فخيرات الشعب الجزائري حري أن يستفيد منها أبناء الشعب الجزائري على أن تصرف على مرتزقة البوليساريو في التسليح والتدريب وشراء الذمم، في حين أن مستشفيات الجزائر غارقة بمرضى فيروس كورونا المستجد والذين لم يجدوا حتى ممرضا يقلبهم يمينا وشمالا. وفي الوقت الذي أصبح المغرب ينتج يوميا أزيد من 8 ملايين كمامة وصدر أزيد من 11 مليون كمامة بعد أن تم تأمين الاكتفاء الذاتي منها والمعقمات وأجهزة التنفس والمستلزمات الطبية المصنعة محليا، لازال المواطن الجزائري يهرول بين المحلات التجارية أملا في أن يجد قناعا يقيه من خطر الإصابة بالفيروس.
وما يمكن أن يستشف من أزمة فيروس كورونا هو أن المستقبل يستلزم الاتحاد والتعاون بين الدول لا التفرقة وتغذية الصراعات بينها.

المملكة المغربية العقدة الأبدية للنظام الجزائري

محمد البداوي

باحث في القانون العام و العلوم السياسية