البام بعد المؤتمر الرابع

اتفـــاق علنـــــي للحجــــر على الشبــــاب

تتيح إعادة قراءة الخطب والرسائل الملكية السامية، منذ سنة 2012 أي مباشرة بعد صدور الوثيقة الدستورية على الاطلاع على أولويات الدولة المغربية بشكل واضح وصريح، اعتبارا أن اصطلاح ‘‘الشباب’‘ ورد بهذه الخطب والرسائل السامية مجتمعة 79 مرة، وورد اصطلاح ”الأحزاب” السياسية 18 مرة فقط، وهو ما لا يدع مجالا للشك في أن الإهتمام بقضايا الشباب وعلى رأسها تشبيب الهياكل الحزبية ومن تم صناعة القادة الجدد تشكل فرعا محوريا واستراتيجيا في أجندة بلادنا المزدحمة بالأوراش المهيكلة التي طال تعطيلها بسبب الضعف البين لجزء مهم جدا من الطبقة السياسية الحالية في مختلف مواقع المسؤولية سواء أكانت وطنية ( البرلمان بغرفتيه )، أو جهوية ( مجالس الجهات ) أو ترابية ( مجالس العمالات والأقاليم والجماعات الترابية والمقاطعات )، ومناسبة إعادة الاطلاع على هذه الخطب الملكية السامية التي تحدد دستوريا التوجهات الوطنية للدولة وآخرها خطاب إفتتاح الدورة الخريفية للبرلمان بتاريخ 12 أكتوبر 2018 والذي دعا فيه جلالة الملك إلى الرفع من الدعم المادي المخصص للأحزاب السياسية، رفع مشروط بالتشبيب ( مأسسة دور الشباب موقع الشباب وعينيتهم بمراكز المسؤولية الحزبية)، وتقعيد الحكامة الداخلية ثم إعمال المبدأ الدستوري ربط المسؤولية بالمحاسبة والذي جاء في سياق طُرح فيه بلغة غير مسبوقة في حزمها شخصت الأعطاب البنيوية والتقاليد البائدة للأحزاب السياسية بدون أي مواربة،” .. وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يتق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟(مقتطف من خطاب الذكرى الثامنة عشرة لتولي الملك محمد السادس الحكم).

يشكل حزبي، حزب ” الأصالة والمعاصرة ” جزء لا يتجزأ من هذه الطبقة السياسية التي طالها النقد، إذ هو أول قوة عددية بالمعارضة البرلمانية اعتبارا لما يمكنه هذا المركز القانوني الخاص، وبشكل غير مسبوق بالدساتير السابقة من الإضطلاع بمهام كبرى على مستوى التشريع او مراقبة العمل الحكومي وغيرها من المٌكن الدستورية ( الفصل 10 من الدستور ).

إن الدافع لكتابة هذا الموقف بالوضوح اللازم وبالنقد الأساسي في إعادة بناء أي مؤسسة هو إيماني بمدى ملحاحية التفعيل الفوري لهذه الخطب الملكية ونحن في مرحلة عرت فيها أزمة كورونا الطبقة السياسية التي غدت غير قادرة على مواكبة إيقاع ودينامية المجتمع ولا أدل على ذلك من إعلان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو يقدم تحليله الرسمي والمؤسساتي للوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد إلى نظر رئيس الدولة بتاريخ 18 يوليوز 2018 انه : ” .. ينبغي تمكين الجمعيات والمنظمات غير الحكومية من الترشح للإنتخابات … ”. فقد غدت الأحزاب غير قادرة على التفاعل مع المجتمع أو مشاكله وهو ما تؤكده بحزبنا على الأقل المذكرة التي تم تقديمها لرئاسة الحكومة بمناسبة إعلان تصور حزب الأصالة والمعاصرة لمرحلة ما بعد كورونا تحت عنوان ( برنامج إعادة الإقلاع السريع الإقتصادي و الاجتماعي الوطني). واسمحوا لي أن اضرب مثالا واحدا كافيا على إبراز عدم جدية هذه المذكرة، ففي باب ما عُنون بالإجراءات الإجتماعية لحفظ كرامة المواطنين اقتُرح:
– إقرار دخل كحد أدنى للأسر الفقيرة يمول عبر صندوق المقاصة مع الدعوة لإلغاء هذا الصندوق، وهو ما يؤكد ضعف التفاعل الحزبي الداخلي مع القضايا الوطنية، فكيف نعلن بشكل واضح عن الحاجة لإلغاء صندوق المقاصة الذي لازال يمول جزء مهما من الحاجيات الأساسية للمواطنات والمواطنين الذين نطالب بالحفاظ على كرامتهم، قبل صدور قانون السجل الاجتماعي الموحد الذي سيمكننا وطنيا من معرفة الفئات المحتاجة والتي يحق لها الإستفادة؟ وكيف نزايد في ما يهم إقلاع وطننا ومشروع القانون المذكور صوت عليه فريقنا النيابي بالغرفة الثانية قبل أيام ولا ينتظر إلى المصادقة في إطار القراءة الثانية بمجلس النواب ودعوة هنا للفريق النيابي للحزب الذي يجب أن يساهم بشكل فوري في الحث على التعجيل بإخراج هذا القانون. أما عن المواضيع الوطنية الأساسية التي كان من الأجدر أن تعطيها المذكرة حيزا مهما من الترافع ( كشروط الانتخابات المقبلة و موقع الشباب منها و أي تقطيع انتخابي للمملكة و سؤال صلاحيات المنتخب بالقوانين التنظيمية للجماعات الترابية ثم القانون التنظيمي للبرلمان بغرفتيه ومدى تأدية اللوائح الوطنية للنساء والشباب لأدوارها وهل لازالت في ظل المتغيرات الحالية حاجة لها ؟)
إن دواعي الحجر على الشباب وتثبيت تقاليد سياسية تسيء للفاعل السياسي وتزيد من نفور الشباب في الطبقة السياسية ببيت حزب الأصالة والمعاصرة متعددة أجملها في يلي :
1- الإحتكار الحصري لما سمي بتيار نداء المستقبل المتجسد في القيادة الحالية والذي نادى حين تأسيسه بالتشبيب ويال التناقض فكل القرارات المرتبطة بالحزب ولا سيما المتعلقة بالشباب اعتبارا للتصويت على رئيس اللجنة التحضيرية لمنظمة شباب الحزب وكذا سكرتاريتها جرت تحت أنظار السيد الأمين العام وبدعوة منه، في تحد سافر للقانون ولمخرجات الدورة الخامسة للمجلس الوطني لمنظمة الشباب المنشورة بالموقع الرسمي للحزب بما تمثله من تعبير عن تعاقد قانوني جماعي وطني بين الشباب البامي.
2- رفض الموقع الرسمي للحزب نشر أنشطة الشباب وهو ما يحيلنا بشكل لا يدع مجالا للشك على رغبة دفينة وجامحة في تصفية كل مناضل اختلف تقديره السياسي مع التوجه العام للقيادة الحالية.
3- تحقير المؤسسة القضائية الأولى بالبلد ” المحكمة الدستورية ” بعبارات من قبيل ( التواطؤ والسطو )، مما جعلها و لأول مرة في تاريخ الفعل السياسي المغربي ثم تراكم الكتلة الدستورية تصدر بلاغا بتاريخ 11 يونيو 2020 تنبه من خلاله الرأي العام الوطني إلى حجم الإخلال بالإحترام الذي لحقها، والذي شكل مضايقات مسطرية توخت المساس بالإدارة القضائية لملف إحالة معروضة على أنظارها، وهو الأمر الذي يعيق جهود بلادنا الحثيثة لتكريس وإذكاء ثقافة الثقة في مؤسسات الدولة ولاسيما المحكمة الدستورية بما هو مشهود لها من تجرد و كفاءة ونزاهة.
4- إعلان شبهة تزوير توقيعات السيدات والسادة النواب البرلمانيين بمجلس النواب، إبان استصدار قرار تعيين الرئيس الجديد للفريق النيابي للحزب، وعدم أخذ مؤسسة الأمانة العامة للحزب عناء تقديم أي بلاغ يتناسب مع حجم التهم الموجهة التي يتابعها الرأي العام بكل امتعاض، بإعتبار فعل التزوير جناية ( جرائم الإخلال بالثقة العامة) تُجرد طبقا للقانون الجنائي من الحقوق المدنية والسياسية.
5- عدم توفر حزبنا على أي رصيد وثائقي أو عرض برنامجي إلى حدود اليوم لتقديمه للمواطنات والمواطنين في أفق الإستحقاقات المقبلة.
6- اعتماد منطق التعيينات في كل مناصب المسؤولية التنظيمية للحزب التي يلزم القانون الأساسي للحزب والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية انتخابها.

إن الأسئلة التي طرحها رئيس الحكومة على الطبقة السياسية، التي نحن جزء منها، ظلت في معظمها عالقة بدون أجوبة جادة من حزبنا، وهو ما نقول على إثره باستحالة الذهاب نحو الإستحقاقات المقبلة، وباستحالة تقديم مساهمتنا إلى جانب كل القوى الوطنية الحية، دون مباشرة معركة التخليق والتشبيب ومن تم صناعة القادة الجدد الذين تحتاجهم بلادنا ولن يتأتى ذلك إلا بالنقد الذاتي، هذا الأخير الذي أقول فيه بحزبنا:
لعمري ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيق…

لكل هذه الأسباب مجتمعة، وبكثير من الأسف على حزبنا، أعلن كشاب مؤمن بمشروع حزب الأصالة والمعاصرة وبآمال تقرير الخمسينية ومآلات مخرجات هيئة الإنصاف والمصالحة، مؤمن بآمال التحديث التي حملها، ولازال، العهد الجديد منذ سنة 1999، بقرار تجميـــــد عضويتـــــي بالحزب سواء كنائب لرئيس منظمة شباب الحزب بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان أو كعضو باللجنة الجهوية لمنظمة الشباب بجهة الدار البيضاء سطات.

البام بعد المؤتمر الرابع

حليم صلاح الدين

مستشار قانوني لدى فريق نيابي، وطالب باحث بسلك الدكتوراه علوم سياسية