التأصيل الدستوري لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب “الجزء الأول”

من التجارب المقارنة إلى التأصيل الدستوري وتنزيل المقتضيات

ارتباطاً بالنقاش العمومي الذي أثاره ولا يزال المرسوم بقانون المتعلق بفرض حالة الطوارئ الصحية، خاصة في ظل التمديد الذي عرفه المرسرم بقانون المذكور وما أثاره من ردود أفعال متباينة. سوف نطرح هذا الموضوع (الذي تقرؤونه في جزأيْن) بالدراسة والتحليل، من خلال زاويَتَي معالجة؛ الأولى تتعلق بسياق حالة الحجر الصحي ارتباطاً بالتجارب المقارنة، والزاوية الثانية تهم البعد التأصيلي لهذا المرسوم بقانون على المستوى الدستوري والقانوني.

تُناط بالبرلمان مجموعة من الاختصاصات والمهام طبقا لأحكام الدستور والقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية، وتعتبر وظيفة التشريع من أهم هذه الوظائف التي يقوم بأدائها. ويُقصد بالتشريع وضع القواعد القانونية في صورة مكتوبة لتنظيم مختلف مجالات الحياة في المجتمع، والأصل أن وضع القوانين حكر على السلطة التشريعية، إلاَّ أن الدستور المغربي جعل هذه الوظيفة مشتركة بين السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل والجهاز التنفيذي باعتباره سلطة تشريعية فرعية.

ويدخل في نطاق التشريع البرلماني نوعان من القوانين: القوانين التنظيمية التي تعتبر امتدادا وتكميلا لنصوص الدستور، والقوانين العادية المحددة في الفصل 71 من دستور 2011، ويمارس مهمته هذه وفق مسطرة تشريعية محددة تتضمن مجموعة من المراحل والإجراءات المتتالية والكفيلة بتنظيم هذه العملية.

الدساتير المغربية من أول دستور سنة 1962 حتى دستور سنة 2011، أكدت -صراحة- على أن سلطة سَنّ التشريعات تعود للبرلمان، كما نصت في الوقت ذاته على أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل هي مقيدة بما ورد بشأنه نص خاص في الدستور. وعليه فإن اختصاص البرلمان في مجال سن القوانين قد بيَّنه الدستور على سبيل الحصر، يباشره وفق الأحكام المنصوص عليها دستوريا.

وتبعا للنظامين الداخليين للبرلمان بمجلسيه، وبالرغم من هذا التحديد الدستوري والتراجع المؤسساتي ،فإنه مازال يصدر عن البرلمان العديد من القوانين وما فتئ جدول أعماله مزدحما بمشاريع ومقترحات القوانين، كما أنه مازال يملك عدة وسائل وتقنيات تسمح له بالإسهام في العملية التشريعية. فإلى جانب التشريع في مجال القانون مازال البرلمان إلى حد ما يتحكم في المسطرة التشريعية،إضافة إلى صلاحياته في مجال القوانين التنظيمية وامتلاكه لبعض الاختصاصات في المجال المالي،الذي هو مجال يعود أصلا إلى السلطة التنفيذية.

كما أناط الدستور بالبرلمان ممارسة السلطة التشريعية والتصويت على القوانين، وخول لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان، على السواء، حق التقدم بمقترحات القوانين.
ومهما يكن المصدر الأصلي للمبادرة التشريعية، سواء من الحكومة (مشاريع القوانين) أو من البرلمان بمجلسيه (مقترحات القوانين)، فإنها تخضع لأحكام الدستور ولمقتضيات القوانين التنظيمية وكذا للقواعد الواردة في النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان..

وإذا كـان النظـام القـانوني العـادي قـد وضـع لـيحكم حيـاة الـدول والأفـراد فـي الأوضاع الطبيعية، فإن هذا النظام قد يعجز في وقت الأزمـات عـن تقـديم الحمايـة اللازمـة لاستمرار الأمة والدولة واستقرارها، وفـي سـبيل مواجهـة هـذه الظـروف غيـر العاديـة والاسـتثنائية لجـأت الـدول لمنح صلاحيات تشريعية استثنائية للسلطة التنفيذية عامة ولرئيس الدولة خاصـة، عُرفـت بمُسمّى “تشريع الضرورة“، ويفسِّر الكثيرون منح هذه السلطات لرئيس الدولة في الغالب إلى تمتعـه بمكانة مرموقة تفوق التوزيع الوظيفي بين السـلطات.

تأسيسـاً علـى ذلـك، فتشـريع الضـرورة آليـة قانونيـة لمواجهـة الظـروف الاسـتثنائية ويقـوم علــى فكــرة الضــرورة، لكــن تجــدر الإشــارة إلــى أنــه محــل تطبيــق فــي الــدول القانونيــة دون الدولة البوليسية، ذلك أنه رغم خطورته فهو لا يخـرج عـن نطـاق مبـدأ المشـروعية ولا ينتهكـه، بل هو توسيع من نطاقه ومداه في إطار جديد ومؤقت يُعرَّف بالمشروعية الاستثنائية.

وقــد تعــددت آراء فقهاء القــانون فــي تحديـد مفهــوم فكـرة الضرورة، حيــث يراها الفقــه الألمــاني أنهــا هــي الحالــة التــي تعطــي الدولــة الحــق فــي اتخــاذ الإجــراءات اللازمــة عامــة للمحافظـة علـى سـلامة الدولـة والمجتمع،ولـو أّدى ذلـك إلـى مخالفـة القـوانين القائمـة؛ إذ أن الإجـراءات التي تتخذها في هذه الحالة تعد مشـروعة، فـي حـين أن فكـرة الضـرورة عنـد الفقـه الفرنسـي، هي الحالة التي تمكن الحكومـة أن تتّخـذ مـن الإجـراءات والتـدابير المخالفـة للقـوانين القائمـة، بشـرط أن تكـون هنـاك اسـتحالة ماديـة فـي جمـع البرلمـان أو علـى الأقـل ألا يكـون البرلمـان خلال عرض المراحل الأساسية التي تميز الإنتاج التشريعي للقوانين، سواء كانت مشاريع قوانين أو مقترحات قوانين، باختلاف أنواعها وتراتبيتها، في البناء القانوني كما سيأتي تفصيله.

إذن يمكن تحليل هذا الموضوع بناءاً على المقتضيات الدستورية والأنظمة الداخلية للبرلمان، علاوةً على بسط تشريع الضرورة حسب طبيعة الوارد في المنظومة التشريعية المغربية وكذا التجارب المقارنة دراسةً وتصويتاً.

#كوفيد19.. أو عندما يُبرِّر الوباء “تشريع الضرورة”

منذ بداية انتشار فيروس كورونا من الصين البؤرة العالمية الأولى وامتداده جغرافيا في العديد من الأقطار العالمية، تفاعلت الدولة المغربية وبشكل سريع مع انتشار جائحة “كوفيد19” ، الذي أوقف الحركة البشرية في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل ربوع العالم، حيث كانت المملكة المغربية من الدول الأولى في العالم التي اتخذت قرارات جريئة وسريعة وقائية واحترازية للحد من انتشار هذا الوباء، رغم ما يمكن أن تُخلفه هذه القرارات من أضرار على كل المستويات، لكنها راهنت على سلامة أفرادها قبل كل شيء، عكس ما قامت به بعض الدول الأوروبية خاصة إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عرفت هذه الدول معدلات هائلة من الوفيات والإصابات بالفيروس بسبب عدم اتخاذها لقرارات سريعة وجريئة واستهانت بقوة وخطورة الفيروس ورجحت المصلحة الاقتصادية على المصلحة الإنسانية.

إلى ذلك فقد سارعت المملكة المغربية إلى مأسَسة (institutionnalisation) تدخلاتها الاحترازية للحد من تفشي هذا الفيروس، عبر وضع الآليات القانونية لجعلها مشروعة وفقا للقانون والمقتضيات الدستورية، وإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد، لذلك عملت السلطة التنفيذية ممثَلة في الحكومة المغربية على إصدار مرسوم بقانون – في سياق ما يصطلح عليه في الفقه القانوني والدستوري بتشريع الضرورة – تحت رقم 2.20.292 بتاريخ 23 مارس 2020 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، الذي جاء بناء على الفصول 21 و24 و81 من الدستور، وكذا بناء على اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وبعد المداولة في مجلس الحكومة بتاريخ 23 مارس 2020 ، وباتفاق مع اللجنتين المعنيتين بالأمر في مجلس النواب ومجلس المستشارين،قامت السلطة التنفيذية بإصدار مرسوم بقانون استنادا للفصل 81 من الدستور،و الذي ينص على أنه يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، ويجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية.إذ يودَعُ مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بُغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه٬وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.

يؤطر هذا النوع من النصوص الفصل 81 من الدستور المغربي الذي ينص على أنه يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كِلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال الدورة العادية الموالية.
و يُودَع مشروع مرسوم القانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام إلى قرار مشترك بينهما في شأنه، وإذا لم يحصل هذا الاتفاق فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب.

وتثير الصياغة العامة والتنظيم المختصر لهذه الإمكانية المُخوَّلة للحكومة العديد من الملاحظات التي يمكن إجمالها فيما يلي :
1. جاءت عبارة (القانون) عامة وبدون تقييد أو تخصيص،وهو مايمكن أن يُفهم منه أنه يحق للحكومة تقديم مشاريع مراسيم قوانين في جميع المواد التي من اختصاص القانون،في حين أن طبيعة هذه المراسيم تتنافى مع خصوصيات بعض هذه المواد، ومنها مثلا تلك التي أحال فيها الدستور على قوانين تنظيمية، أو القوانين التي تتم المصادقة بمقتضاها على بعض المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

2. خلافاً لموقف الدستور المغربي الذى أعطى للحكومة صلاحية إصدار هذه المراسيم، منحت بعض الدساتير المقارنة هذه الصلاحية لرئيس الدولة، ومنها الدستور المصري الذي نص في المادة 156 منه على أنه إذا حدث في غير دورة انعقاد مجلس النواب ما يُوجِب الإسراع في اتخاد تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد اجتماع طارئ لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تُعرض وتناقش أو إذا عُرضت ولم يُقِرَّها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قانون بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار.

وكذا ورد في الدستور الجزائري الذي نص عبر المادة 142 منه على أنه “لرئيس الجمهورية أن يُشرِّع بأوامر في مسائل عاجلة في حالة شغور المجلس الشعبي أو خلال العطل البرلمانية، بعد رأي مجلس الدولة. ويعرض رئيس الجمهوربة النصوص التي اتخذها على كل غرفة من البرلمان في أول دورة له لتوافق عليها، وتُعَدُّ لاغية الأوامر التي صوت عليها البرلمان. بينما الدستور الكويتي بمقتضى المادة 71 منه التي أكدت على أنه “إذا حدث فيما بين دورات انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله،ما يوجب الإسراع في اتخاد تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يُصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون المالية….”.

لا تكون الحكومة ملزمة بالحصول على إذن من أجل إصدار مراسيم القوانين،كما هو الحال بالنسبة للمراسيم المتخذة بناءً على تفويض أو إذن من القانون، وإنما يكون من حقها ذلك متى فرضت الضرورة ذلك بشرط ألا يكون البرلمان منعقدا. وبالتالي فهو تشريع يكون بناءً على تفويض دستوري تلقائي يمارَس متى توفرت شروطه فقط دون إذن من القانون بذلك.

ويعود للحكومة على العموم سلطة تقدير حالة الاستعجال أو حالة الضرورة باعتبارها صاحبة المبادرة في عرض الأمر على اللجان البرلمانية المختصة، على أن هذا لا ينفي دور هذه الأخيرة في مراقبة المبررات والأسباب التي استندت عليها الحكومة لتبرير حالة الاستعجال،ومدى ملائمة مشاريع المراسيم بقوانين للوضعيات التي تم تشريعها فيها، خاصة وأن سلوك هذه المسطرة الاستثنائية يكون في العديد من الحالات، له مبررات سياسية أكثر منها دستورية أو قانونية، بحيث تتجنب الحكومة بسلوكها الانتقادات والجدال الذي يمكن أن تكون مشاريع هذه النصوص موضوعا لها من طرف البرلمانيين عموما، والمعارضة على وجه الخصوص، بالنظر إلى سهولة تمريرها أمام اللجان البرلمانية المختصة.

عموماً، ما يلاحظ من خلال التنظيم الدستوري لهذه الإمكانية المتاحة للحكومة، أن المشرِّع قَلَّل من الشّكليات والإجراءات المنظمة لكيفية تبني هذه المراسيم بقوانين، وذلك مقارنة مع ما كان منصوصا عليه في الفصل 55 من المراجعة الدستورية لسنة 1996، التي كانت تنص على أنه « … يودع مشروع المرسوم بقانون بمكتب أحد المجلسين، وتناقشه اللجان المعنية في كليهما بالتتابع بغية التوصل إلى قرار مشترك في شأنه، وإذا لم يتأت الاتفاق على ذلك داخل أجل ستة أيام من إيداع المشروع، يُباشَر بطلب من الحكومة تشكيل لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين تتولى في ظرف ثلاثة أيام من عرض الأمر،اقتراح قرار مشترك داخل الأجل المضروب لها ،أو إذا لم توافق اللجان البرلمانية المعنية على القرار المقترح عليها داخل أجل أربعة أيام«.

بالتالي أصبح تبني المراسيم بقوانين، في ظل الدستور المغربي الحالي (2011)، يخضع فقط إلى الإجراءات والشكليات التالية :
أولا
: يتعين أن يُصادِق مجلس الحكومة، وفقا لمقتضيات الفصل 96 من الدستور، على مشاريع هذه المراسيم بقوانين، وذلك بعد التداول بشأنها، كما يتعين أيضا أن تتم المصادقة على هذه المشاريع في المجلس الوزاري متى كانت تتعلق بالمجلس العسكري، وذلك استنادا للعبارات الواسعة المنصوص عليها في الفصل 49 من الدستور؛

ثانيا: لا يحق للحكومة التقدُّم بمشاريع مراسيم بقوانين خلال انعقاد مجلسي البرلمان، وإنما خلال الفترة الفاصلة بين دورات المجلسين، أي خلال فترات غياب أو عطلة مجلسي البرلمان. وقد حدد المجلس الدستوري في قرار صادر عنه بتاريخ 16 غشت 1994 المقصود بالفترة الفاصلة بين الدورتين، بأنها تقتصر على الدورات المتعلقة بنفس الولاية التشريعية، ولا يمتد للفترة الفاصلة بين نهاية ولاية تشريعية معينة وبداية ولاية أخرى.
أما خلال انعقاد مجلسي البرلمان، فلا يمكن للحكومة إصدار مراسيم في مجال القانون إلا بناءً على قانون الإذن. كما لا يمكن للحكومة إصدار مراسيم قوانين متى انتهت ولاية البرلمان أو في الفترة التي تلي حَلّه من طرف الملك أو من طرف رئيس الحكومة، وهو نفس المنع الذي يطال إصدار مراسيم قوانين بعد آخر دورة في الولاية التشريعية، بحيث لا يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية من أجل عرض هذه المراسيم للمصادقة.

ويبقى عنصر الزمن، على العموم، جد مؤثر في تحديد موقف اللجان المختصة من مشروع المرسوم بقانون، بحيث سيكون من غير المقبول مثلا تقديم مشاريع مراسيم بقوانين في الوقت الذي لم يبق معه إلا أيام معدودة أو أسبوع أو أسبوعين لاستئناف البرلمان لنشاطه العادي.

وقد تكفَّل الفصل 65 من الدستور المغربي بتحديد أوقات عقد جلسات البرلمان ،حيث نصَّ على أن: “يَعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر،وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل. و إذا استمرت جلسات البرلمان أربعة أشهر على الأقل في كل دورة، جاز ختم الدورة بمرسوم، وبالتالي فإن البرلمان يكون غائبا فقط ما بين انتهاء دورة أكتوبر وبداية دورة أبريل، ومابين نهاية هذه الأخيرة وبداية دورة أكتوبر من السنة النيابية اللاحقة.

وقد قلَّص الدستور بذلك نوعاً من فترات غياب مجلسي البرلمان، على اعتبار أن الفقرة الثانية من الفصل 65 من الدستور قد حَدَّدت مدة الدورة في أربعة أشهرعلى الأقل، في حين كان الفصل 55 من الوثيقة الدستورية لسنة 1996 يُحدد هذه المدة في ثلاثة أشهر فقط، وبالتالي فإن مدة دورات مجلسي البرلمان لم تعد تقل عن ثمانية أشهر، أي أكثر من ثلثي السنة، بل وليس هناك ما يمنع أن تستمر لمدة أطول بحسب الحالات، وهو ما يمكن أن يقلل من حالات لجوء الحكومة إلى هذا النوع من المراسيم ويقصرها على حالات الضرورة والاستعجال غير القابلة للتأخير بأي حال من الأحوال.

وما يعزز هذا الطرح أنه يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية خارج الدورات العادية، وذلك إما بمرسوم حكومي أو بطلب من ثلثي أعضاء مجلس النواب أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين، وذلك على أساس جدول أعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال يتم ختم الدورة بمرسوم.

ثالثا: يتم إيداع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وفور التوصل به، يُحيل هذا المكتب مشروع المرسوم بقانون على اللجنة المختصة، ثم يقوم رئيس هذه اللجنة بإحاطة أعضاء اللجنة علماً بالمشروع المُتوَصَّل به، ويدعو أعضاء اللجنة للانعقاد خلال 24 ساعة من تاريخ إيداع المشروع لدى مكتب المجلس،ثم تتولى اللجنة بحضور ممثل الحكومة، دراسة المشروع والتصويت عليه بُغية التوصل إلى اتفاق مع الحكومة بشأنه.

وبعد الدراسة والتصويت على مشروع المرسوم بقانون من طرف اللجنة المختصة بمجلس النواب،يُحيله رئيس هذه الأخيرة على رئيس مجلس النواب، قصد إحالته على مجلس المستشارين للقيام بنفس الإجراءات المذكورة وفي نطاق الآجال القانونية المحددة.

وبمجرد إحالة مشروع مرسوم بقانون على مجلس المستشارين،يستدعى رئيس هذا الأخير أو رئيس اللجنة المعنية أعضاء اللجنة للاجتماع في أجل أقصاه 24 ساعة، ولا يمكن تأجيل الاجتماعات المخصصة لدراسته إلا باتفاق مع الحكومة،وفي نطاق الآجال القانونية المحددة.

رابعا: في حالة عدم التوصل إلى اتفاق بين اللجنتين المخصصتين بالمجلسين بشأنه داخل أجل ستة أيام، يُحال المشروع من جديد على مجلس النواب، ويُعرض على اللجنة الدائمة المختصة لاتخاد قرار نهائي بشأنه؛
خامسا: في حالة الموافقة على مشروع المرسوم بقانون من طرف اللجنتين المعنيتين بمجلسي البرلمان، أو اللجنة المختصة بمجلس النواب في حالة عدم اتفاق اللجنتين السابقتين،وذلك سواء في نسخته الأصلية المقدمة من طرف الحكومة أو بعد إدخال تعديلات عليه،يتم نشر المرسوم بقانون بالجريدة الرسمية دون الحاجة لظهير شريف بإصداره، ويبدأ العمل به ابتداءً من تاريخ هذا النشر، ولكن يتعين عرضه على البرلمان من أجل المصادقة عليه خلال دورته العادية الموالية، ولا يمكن أن يمتد سريانه إلا بعد انتهاء هذه الدورة العادية، إلا إذا تم عرضه على البرلمان وتمت الموافقة عليه،وإلا أصبح عديم الأثر القانوني كما لو تم رفضه بعد عرضه على البرلمان.

عموماً، يمكن للبرلمان بالطبع أن يوافق على المرسوم بقانون ويُقرَّه بقانون، ويصبح هذا الأخير بالتالي مثل القوانين الأخرى، بحيث ليس هناك ما يمنع من خضوعه لمراقبة المحكمة الدستورية متى تمت إحالته عليها، كما لا يمكن تغييره أو تتميمه أوتغييره وتتميمه أو نَسْخُه أو إلغاءه إلا بمقتضى قانون. كما يمكن للبرلمان ألاَّ يصادق على المرسوم بقانون المعروض عليه بسبب شرط إصداره أوعدم موافقة البرلمانيين عليه،لأن البرلمان لا يكون مُقيداً بموافقة اللِّجان المختصة عليه من قبل، وفي هذه الحالة يزول بأثر رجعي، أي من تاريخ صدوره، ما كان له من قوة القانون.

غيْرَ أنه يبدأ العمل بمرسوم القانون لمدة معينة وينتج آثارا قانونية في المراكز القانونية والحقوق المكتسبة للأشخاص، ثم قد يتم رفض المصادقة عليه من طرف البرلمان بعد عرضه على هذا الأخير، وهنا يُثار تساؤل حول مآل تلك الآثار والحقوق والمراكز ومدى صحتها والاحتفاظ بها.

وفي ذلك نعتقد أن البرلمان في هذه الحالة يستطيع، في حال عدم وجود تنصيص دستوري على المنع الصريح لذلك، حصر آثار عدم المصادقة على المستقبل فقط ،دون الفترة السابقة على ذلك حفاظا على تلك المراكز القانونية والحقوق المكتسبة التي ترتبت عن تطبيق المرسوم بقانون وسريانه بشكل دستوري، كما يمكنه أن يقرر سريان آثار عدم المصادقة بأثر رجعي.

يُتبـع..

عبدالعالي الطاهري الإدريسي

▪︎دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الإعلام والاتصال. ▪︎ماجيستير العمل البرلماني والصياغة التشريعية.