التأصيل الدستوري لحالة الطوارئ الصحية بالمغرب “الجزء الثاني”

مسطرة الدراسة والتصويت


المرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية بالمغرب نموذجًا.. مسطرة الدراسة والتصويت

شكّل فيروس كورونا المستجد –المُسبّب لعدوى مرض كوفيد19 – جائحة عالمية حسب منظمة الصحة العالمية، هذه الجائحة التي ضربت بلدان العالم بما فيها المغرب، الأمر الذي فرض التعجيل باتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة تفشي هذا الوباء بالمملكة، كان أبرزها إغلاق الحدود، وإحداث صندوق خاص لمواجهة هذه الجائحة بتعليمات من عاهل البلاد جلالة الملك محمد السادس، إلى الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية بمقتضى بلاغ رسمي مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الصحة، وذلك ابتداء من يوم الجمعة 20 مارس على الساعة السادسة مساء، ليتم بعد ذلك المصادقة على مرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها والصادر بتاريخ 28 رجب 1441 الموافق لـ 23 مارس 2020، والذي تم نشره بالجريدة الرسمية تحت عدد 6867 مكرر بتاريخ 24 مارس 2020. هذا المرسوم بقانون الذي حدد حالة الطوارئ الصحية بالمملكة المغربية ابتداء من 20 مارس 2020 إلى غاية 20 أبريل 2020. وهو المرسوم بقانون ذاته الذي مُدّد -لاحقاً- لفترتيْن اثنتين متتاليتين.

وبالرجوع لديباجة المرسوم بقانون السالف الذكر نجدها تشير صراحة على أن هذا الأخير تم في إطار الفصول 21 و 24 (الفقرة 4) و 81 من الدستور، واعتماداً على اللوائح التنظيمية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وبعد المداولة في مجلس الحكومة المنعقد بتاريخ 22 مارس 2020، وباتفاق مع اللجنتين المعنيتين بالأمر بمجلس النواب ومجلس المستشارين.
وبالرجوع للفصل 21 من الدستور نجده ينص على أنه :” لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته”.
تضْمَن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”، فيما تنص الفقرة الرابعة من الفصل 24 على أن : “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”.

أما الفصل 81 من الدستور فإنه ينص على أنه : “يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية”.
يُودَعُ مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بُغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب”.

كما أنه،وفي إطار ما تخوله المادة 49 من اللوائح الصحية الدولية لسنة 2005 للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية،فقد أصدر هذا الأخير توصياته المؤقتة بتاريخ 29 فبراير 2020، والتي جاء فيها أنه : “ وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، للدول الأعضاء الحق السيادي في التشريع، وتطبيق تشريعاتها الوطنية وفقاً لسياساتها الصحية، حتى لو كان ذلك يعني تقييد حركة الأشخاص”.

وبناء على ما سبق، وحيث إن دستور المملكة المغربية لسنة 2011، قد أسس لمجموعة من الحقوق التي لا يمكن التنازل عنها، منها الحق في الحياة والحق في السلامة والحق في الصحة، والمنصوص عليها توالياً في الفصول 20 و 21 و 31 منه، وهي حقوق منبثقة عن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، هذه الحقوق التي لا يسوغ التنازل عنها، فإنه ونظرا لانتشار فيروس كورونا المستجد – كوفيد 19 – في المملكة المغربية، والذي صنفته منظمة الصحة العالمية كجائحة عالمية، وما له من آثار وخيمة خاصة على مستوى تهديد الحقوق السالفة الذكر، أمرٌ فرض على السلطات المغربية التدخل لحمايتها – الحقوق – من هذا الطارئ العالمي، مستندة لمقتضيات الفصول 20 و 24 و81 من الدستور، واللوائح التنظيمية لمنظمة الصحة العالمية، وذلك بإصدار المرسوم بقانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها.
وبالرجوع للمرسوم المذكور نجده ينص في مادته الرابعة في فقرتها الثانية على أنه : ”يعاقَبُ على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر و بغرامة تتراوح بين 300 و1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد”.

والملاحَظ أن المُشرِّع ارتقى من خلال المادة السالفة بالعقوبة من مخالفة إلى جنحة، بغية ردع المخالفين، وضمان تقيُدهم بالأوامر والتعليمات الصادرة عن السلطات العمومية إبَّان فترة الطوارئ الصحية، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، وبذلك فالمادة الرابعة من المرسوم بقانون المذكور،تُحيل صراحة على مقتضيات القانون الجنائي، في مواده من 300 إلى 308 والمتعلقة بجريمة العصيان.
وبالرجوع للفصل 300 من القانون الجنائي، نجده ينص على أن:” كل هجوم أو مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النُّظُم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية يعتبر عصياناً والتهديد بالعنف يعتبر مماثلاً للعنف نفسه”.

هذه الأفعال أقر الفصل 301 من نفس القانون عقوباتها على الشكل التالي :
– عقوبة الحبس من شهر إلى سنة والغرامة من ستين إلى مائة درهم إذا كان مرتكب الجريمة شخص أو شخصين؛
– الحبس يكون من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم إذا كان مرتكب الجريمة أو أحد مرتكبيها مسلحاً.
فيما أقرَّ الفصل 302 من القانون الجنائي المغربي العقوبات التالية :
– الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائتين إلى ألف درهم في حالة ارتكاب الجريمة من طرف أكثر من شخصين مجتمعين.
– يكون الحبس من سنتين إلى خمس سنوات،والغرامة من مائتين إلى ألف درهم إذا كان في الاجتماع أكثر من شخصين يحملون أسلحة ظاهرة.
– أما إذا وُجد أحد الأشخاص حاملاً لسلاح غير ظاهر، فإن العقوبة المقررة في الفقرة السابقة تطبق عليه وحده.
زِد على كل ما سبق ذكره أعلاه أنه وحسب الفصل 304 من القانون الجنائي المغربي فإنه : “يعتبر مرتكباً للعصيان من حرَّض عليه، سواءً بخُطَب أُلقيت في أمكنة أو اجتماعات عامة أو بواسطة ملصقات أو إعلانات أو منشورات أو كتابات”.
كما جاء في الفصل 305 من القانون الجنائي المغربي،على أنه:” زيادة على العقوبات المُشار إليها في الفصل السابق، فإنه يمكن أن يُحكَم على المحرضين أو المتزعمين للعصيان بالمنع من الإقامة مدة أدناها خمس سنوات وأقصاها عشر سنوات”.
كما تجب الإشارة على أن مقتضيات الفصل 308 من القانون الجنائي المغربي تنص على أنَّ : ”كل من قاوم أشغال أمرت بتنفيذها السلطة العامة أو صرحت بها، يعاقَب بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن مائتي درهم ولا تتجاوز ربع مبلغ التعويضات”.
أما الأشخاص الذين يعترضون على تنفيذ هذه الأشغال بواسطة التجمهر أو التهديد أو العنف فإنهم يعاقبون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة المشار إليها في الفقرة السالفة”.
وبناء عليه، فإنه وإن كانت المادة الرابعة من مرسوم القانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها تُطبَّق على المخالفين حَسَنِي النية والذين لا تنطبق عليهم المقتضيات المتعلقة بارتكاب أفعال تدخل ضمن خانة الأفعال المُجرَّمَة بمقتضى الفصول من 300 إلى 308 من القانون الجنائي المغربي والمتعلقة بجريمة العصيان، فإنه في اعتقادنا ونظراً لحساسية المرحلة، وتجنباً لاكتظاظ المؤسسات السجنية بالمعتقلين، كان من الأجدى الإقرار بالغرامات المالية المُشدَّدة على المخالفين المذكورين وتحويلها إلى الصندوق الخاص بمواجهة جائحة كورونا، ولو أن الفصل الرابع من المرسوم بقانون خَيَّر القاضي في الحكم بما له من سلطة في تفريد العقاب بين العقوبة الحبسية والغرامة المالية حسب الظروف الشخصية لكل متهم.

ولابد من الإشارة إلى أن المادة السادسة من نفس المرسوم بقانون المشار إليه أعلاه، قد نصَّت على توقيف جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، على أساس أن يُستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي لرفع حالة الطوارئ المذكورة، مع استثناء آجال الطعن بالاستئناف الخاصة بقضايا الأشخاص المتابَعين في حالة اعتقال، وكذا مُدَد الوضع تحت تدابير الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي، لما لهذه الأخيرة من آثار لارتباطها بحرية الأشخاص.

تمديد ثالث بإجراءات تخفيفية

تمديد ثالث للمرسوم بقانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية مع تخفيف مقتضى الحجر الصحي حسب تباين الحالة الوبائية بين جهات المملكة. إذ صادق مجلس الحكومة المغربية الثلاثاء 09 يونيو الجاري على قرار التخفيف التدريجي لتدابير الحجر الصحي مع تمديد حالة الطوارئ الصحية المفروضة على البلاد منذ 20 مارس الماضي إثر تفشي مرض كوفيد-19 الناجم عن فيروس كورونا. وأصدرت الحكومة المغربية بلاغا في نهاية اجتماع لمجلس الحكومة ،أعلنت فيه المصادقة على “التخفيف التدريجي لتدابير الحجر الصحي عبر مراحل، أخذا بعين الاعتبار التفاوت الحاصل في الوضعية الوبائية بين الجهات”.

وسبق وأن أعلن المغرب في 20 مارس الماضي حالة طوارئ صحية فرض بموجبها حجرا يحد من التنقلات بقصد التصدي لانتشار الوباء، وقد مددت مذاك مرتين. وعزز هذا الإجراء بإلزامية وضع الكمامات الواقية للمرخص لهم بالتنقل.
وقررت الحكومة تمديد حالة الطوارئ الصحية “التي تمكن الحكومة من اتخاذ تدابير استثنائية للحد من تداعيات هذا الوباء” شهرا آخر حتى 10 يوليوز بحسب البلاغ . وقد قدم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الأربعاء 10 يونيو الجاري عرضا أمام البرلمان، بسطَ من خلاله الإجراءات المزمع اتباعاها لتنزيل مقتضيات التخفيف حسب الحالة الوبائية بين مختلف جهات وأقاليم وجماعات المملكة. ويبقى أسلوب التفويض التشريعي – على أهميته – مشوباً بشيء من الغموض والقصور، يجعل ممارسة هذا الترخيص الممنوح للحكومة قد يخرج عما وُضع لأجله. فإذا كانت الوظيفة التشريعية كحق أصيل يمارسه البرلمان، والتفويض التشريعي استثناء يرد على القاعدة، فإن هذا الاستثناء كترخيص يتعيَّن أن يُقاس بقدره وأن يمارَس وفق ضوابط ينبغي تحديدها بدقة،وشروط واضحة تُصاغ في نصوص دستورية غاية في التحديد بعيدة عن منطق التأويل الذي يُخوِّل أي فرصة من فرص الخروج عما وجد من أجله،كأن تلجأ إليه السلطة التنفيذية )الحكومة( وتفعيله بدون سبب فعلي يستوجبه، وبالتالي التطاول على اختصاص البرلمان وتوظيف هذا الأسلوب على النحو الذي قد يخدم مصالح برنامج الحكومة بشكل غير مشروع.

وختاماً، فإن استحضار الضمير الواعي والمسؤول، يبقى السبيل الوحيد والأنجع للقضاء على هذه الجائحة أو فيروس كورونا المستجد، فاليوم كلنا مسؤولون أمام هذا الوطن والعالم أجمع، وكلنا معنيون وسيشهد التاريخ بذلك لتجنيب بلدنا انتشاراً مهولاً لهذا الوباء وعواقب كارثية لا قدَّرَ الله، اقتصاديا واجتماعيا وبدرجة أكبر وأخطر صحيا، و ذلك من خلال احترام مقتضيات المرسوم السالف الذكر، والالتزام التام بحالة الطوارئ الصحية إلا في حدود استثناءات ضيقة محصورة أقرتها السلطات حسب تطور أو تراجع الحالة الوبائية من منطقة إلى أخرى.

.انتهت

عبدالعالي الطاهري الإدريسي

▪︎دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الإعلام والاتصال. ▪︎ماجيستير العمل البرلماني والصياغة التشريعية.