أحلام على طريقة “فلاش باك”

يوم ستصبح كورونا مجرد ذكريات من الماضي

ارتديت وزرتي البيضاء، وحملت معداتي لأسير والممرضة لتفقد حالة مستعجلة في الغرفة رقم 21. فور وصولي، وكما تجري العادة مع كل مريض، طلبت الملف الصحي الخاص به، كي أعاين مسار حالته الصحية بشكل دقيق.

في الثواني المعدودة التي مرت فيها عينايَ على تلك الأسطر، وقفت مستغربة أمام كلمات أعدت قراءتها؛ لقد أصيب سابقا بفيروس كورونا المستجد خلال عام 2020. كلمة واحدة كانت كفيلة بفتح محرك البحث في عقلي لينهش صفوف ذاكرتي باحثا بين رفوفها عن مذكرات تلك السنة. فترة ليست بالطويلة ولا بالقصيرة، فقد مرت عشر سنوات، لكن العالم لا زال إلى حد الساعة يؤدي ضريبة نتائج هذا الفيروس.

في مطلع عام 2020، بدأت آذان العالم تسمع بفيروس حديث الولادة في “ووهان” الصينية، دون أن يأبهوا بخطورته إلا أن بدأت تُفجّر عدد الإصابات به.
بعد انتشاره الواسع والسريع، وقفت الدول مذهولة أمام الفيروس التاجي المسبب لجائحةكوفيد-19“؛ كونهم جاهلين خبايا المستقبل والطريقة المثلى للتعامل معه. فاضطر العالم إلى توقيف مؤقت أو شبه كامل لكل القطاعات والمنشآت إلا المستشفيات، تجنبا لأسوأ السيناريوهات التي قد تقود البشرية إلى الهاوية لا محالة. وكان الأطباء يتصدرون الواجهة للقضاء على الفيروس الذي قلب موازين العالم، حين زُج بالكل –دون استثناء- داخل منازلهم، فلم يأبه لحالك سواءٌ كنت غنيا أم فقيرا، عالما أم جاهلا، صغيرا أم كبيرا، عاطلا أو عاملا، ذكرا أو أنثى…

كانت بلادي، المغرب، من السباقين إلى إغلاق المجالات الجوية، البرية والبحرية، وتأجيل الرحلات، واقتناء المعدات الطبية اللازمة، وتزويد الأطقم الطبية بوسائل الحماية الضرورية، وكذا نشر حملات التوعية بمختلف الطرق من أجل إيصال الرسالة إلى كل طبقات المجتمع. وهنا أبان المواطنون المغاربة عن جوهرهم اللامع وحبهم الدفين له. كما ظهرت مبادرات شبابية، وحملات تطوعية لمساعدة الأسر المتضررة جراء توقفها عن العمل، وفي هذا الإطار قدمت الدولة أيضا مبالغ دعم شهري لهذه الأسر.

طُبّق الحجر الصحي المنزلي في معظم الدول، حيث لم يكن المغرب بمنأى عنه طبعا، كان الحجر في بدايته مملا كئيبا وذلك ليس بسبب مكوثنا في المنازل، بل كون حالتنا النفسية غير متقبلة للوضع الراهن، لكن أسرتي حاولت خلق أجواء أكثر ملاءمة وراحة. استأنفنا الدراسة عن بعد التي لم تكن بطعم سابقتها الحضورية أبدا. زاولت بعض الأنشطة لتخفيف الضغط النفسي، من قبيل القراءة، لدرجة أني أتممت قراءتي للكتب التي كنت اقتنيتها سابقا، لكن كل هذا لم يكن كفيلا بجعل نفسيتي تستقر وتعود لسابق عهدها؛ فإذا أبصرتَ نفسيَّتي خِلتها تخطيطَ قلب؛ كانت ترقص على إيقاع نغمات غير مستقرة بين الفينة والأخرى.

مكثت أياما أراجع فيها ذاتي وأهدافي وكل ما يتعلق بحياتي، لأخرج بعد ذلك كما أردت أن أكون من قبل، واكتشفت أنني كنت أتحجج بأعذار جعلت فجوة بيني وبين التغيير الذي كنت أحسبه صعبا. رحلتي في أعماق ذاتي وسبر أغوارها والتقرب إلى ميولاتها مكنتني بشكل كبير من معرفة ما ينتظرني في السنوات المقبلة.

الحمد لله، بدأت الدول تخفف من حالة الطوارئ الصحية، وهذا كان تمهيدا للإعلان عن هزيمة هذا الوباء. خرجنا من حرب عالمية ضد فيروس كورونا، انتهت بانتصارنا وهزيمته، بعدما خلف موجة موتى بالآلاف، وتسبب بأزمات اقتصادية لجل الدول.

بيد أني خرجت ثابتة الخطى، واضحة الأفكار، مدركة أهمية الطريق الذي سأسلكه لترك الأثر، مقتنعة بأنني سأصبح طبيبة. وذلك ما حصل بالفعل؛ فها أنا ذي أرتدي وزرتي البيضاء متنقلة بين غرف المرضى لأتفقدهم وأشخص حالتهم.

أحلام على طريقة “فلاش باك”

Exit mobile version