“التربية الجنسية” هل هي الترياق المناسب؟

“حْشومة”، “عيب” و”سْكت”، مَوّالٌ دائما ما تتقاذفه ألسنة الكبار يحمل بين ثناياه كثيراً من القمع، الازدراء وسياسة تكميم الأفواه ، بمجرد التفوُّه به، تُزَمّ الأفواه وتُطأطِئ رؤوس الصغار، ليجرّوا أذيال الخيبة مُوارين كل ما يخالجهم بين صفحات ذاكرتهم السوداء! وتخمد شذرات الأمل بأن يعبّر عما بداخله !

إنها من العبارات التي لثمت أفواه الكثير من الأطفال سواء ضحايا التحرش، الاغتصاب، زنا المحارم وغيرها … من هنا يمكن التأكيد على أن “النظرة المشوَّشة والنمطية” عن الثقافة الجنسية لدى كثير من الأطفال أو المراهقين انبجست من رحم هذه الممارسات غير الحكيمة من قبل أولياء أمورهم.

نظرا للفهم القاصر لبعض الآباء الذين اختلطت عليهم الأوراق، بين العادات والتقاليد التي تسيرهم مثل دُمى العرائس، وبين التربية الصحيحة، يختارون الانجراف إلى تيار الأعراف؛ مما ولد لدى الكثير من الأطفال عُقَداً لاحقتهم كظلالهم، ومن استطاع أن يتجازوها، لا بد أن يُنكأ جرحه عندما يسمع بحادثة مشابهة، ويكبر مع تلك الغصة.

فهل حقا اعتماد التربية الجنسية هي طوق النجاة ؟

إن التربية الجنسية يجب أن تكون من قِبل الأسرة في المرتبة الأولى، فعوض أن أحد الأبويْن يشرح لابنه الأسئلة -المحرجة في بعض الأحيان- التي طالما يطرحها، نجده يتملّص، وبنظرة ثاقبة تشي بالغضب، يتمتِم ببضع كلمات من قبيل “لا تُعِد طرح هاته الأسئلة.. إنها عيب !”
دون أن ننسى ضرورة حمايته، فأغلب الآباء يضعون ثقتهم بغرباء، يغتنمون الفرصة لاستغلال أطفالهم بينما أولياء الأمور في خبر كان !؟

إذاً، فالملجأ هو أصدقاؤه أو الأنترنت التي أضحى مُتاحا للكل، لكن هل حقا هذا سيُمكّنه من إيجاد أجوبة شافية؟ هنا يجد المراهق نفسه ضحية المواقع المشبوهة والأفلام الإباحية وبالتالي يفتح بابا آخر فتندَسُّ إلى ذهنه أفكار مغلوطة مسمومة !

والأجدر هنا أن نؤكد على دور المدرسة في المرتبة الثانية، بخصوص توعية وتحسيس الطفل بأن جسده مقدس، ولا يجب على شخص غريب أن يقربه خاصة المناطق التناسلية والحسّاسة، وذلك من خلال حصص تربية ولكن هذا تحت ظل مبادئنا وقيمنا الدينية والثقافية؛ فالطفل في هاته المرحلة وجب عليه الإلمام بجزئيات صغيرة، وهكذا دواليك بالتدريج في كل مرحلة دراسية.

ولكن إذا فطن الطفل لهذه الأشياء وتجسَّد له وعيٌ بالأخطار التي تحيط به، وَوقع مرة ضحية في شباكها هل الأسرة، أو بالأحرى المجتمع، سيُهيّئ له مناخاً مناسبا للإفصاح؟

هنا نؤكد على دور المجتمع بالمرتبة الثالثة، خاصة فيما يتعلق بتحديث البُنى العقلية، والانسلاخ عن بعض الأعراف والعادات البدائية -رغم صعوبة ذلك-.
ففي ظل البيئة السائد بها القمع ومبدأ “العيب”، يجد الطفل أنه من الأحسن أن يلوذ بالصمت ويحترق من داخله على أن ينبس ببنت شفة وإلا سيمطر بوابل من السخرية والقمع ، سيكتم صوته وتغرس تلك العقدة للابد ليجد نفسه أسيرا لها !
إنْ كانت التربية الجنسية كدرع حامٍ لذلك الطفل، فلن يجد نفسه لقمة مستساغة في أفواه “البيدوفيليّين” (المعتدين على الأطفال). فالهدف منها هو تعليم الأطفال فن إدارة الجسد والتحولات التي تطرأ عليها ناهيك عن الأمراض الجنسية، وأيضا التثقيف والتوعية حول أشكال الاعتداءات الجنسية، وأساليب الحماية منها سواء بطرق قانونية اجتماعية ونفسية.

فقد ضِقنا ذرعا من تلك الأخبار شبه اليومية من حوادث استغلال الأطفال في المغرب، ولعل أبرز مثال حيّ على ذلك الطفلة إكرام، التي ليست إلّا صفحة من مجلد يضم العديد من الأطفال الذين راحوا ضحايا لهاته الافعال العهنجية، سواء بجهل منهم عما هم به أو بسبب العار الذي سيخيم على أسرهم فتركت في طي النسيان!
كم من طفل نسج أحلامه ليأتي شخص آخر كمعول هدّام لها ؟
ويتركه كزهرة عبّاد الشمس حجبتها السحب عن معشوقتها الشمس فذَبُلت! وليدُقّ آخر مسمار في نعش أهداف وحياة طفل ؟

“التربية الجنسية” هل هي الترياق المناسب؟