“عبق الماضي” الجزء الأول

نحن نعتاد على الحب ولا نقع فيه

لكل شخص منا قصة، بعضهم يطبع قصته على الورق مثلي والبعض الآخر على جسده على شكل وشوم، لكن لا بد للقصة أن تنتهي حين يحرق الورق أو يدفن الجسد…

يمكن أن تكون صبورا لمدة من الزمن، لكن الحياة تنقلب عليك أحيانا بثانية أو جزء منها لتقول بأنك آسف؛ لكل منا جروح خفية لا يمكن تقبلها بشكل أفضل سواء من أم أو أب، فالآباء ليسوا دائما على حق تجاه الأبناء…

لدينا ذكريات مؤلمة تضعفنا لدرجة الهمس، فالشخص الذي يرحل أو يفطر القلب لا يجب أن يرحل أو يموت، يجرحنا شخص ما ثم نلصق ضمادات خيالية على جروحنا الحقيقية، ثم بعقولنا دعاء للشفاء.

نغزو بكل آلام الماضي إلى القلب الثاني عندها نخسر؛ صحيح أن الحياة تبدأ من جديد كل صباح بالتنفس مجددا فأثمن شيء فيها هو النفس الذي نستشقه، لأن الحياة أغلى من أن تعيشها وحيدا، لكنها أجمل عندما تعاش بجانب من تحب. فالحب له عدة تعاريف أبرزها أنه شعور لا يمكن تعريفه، يلهم الأغاني والأفلام.

كتب العديد عن قصص الحب، لكن لم يكتب أحد من قبل قصة حب تحكم القدر في أطوارها، لا يمكن لأحد أن يكتب ذلك لأني أراهن أنه لم يقع بالحب وأصبح جثة حية، فإذا كنت لا تزال قادرا على المحاولة والوصول إليه من جديد بعد كل المحاولات الفاشلة، فهو بالفعل عالق داخل روحك وجسدك لا تستطيع إخراجه حتى لو وضع السيف على رقبتك أو تم تعويضه بمال الدنيا. وعلى النقيض وقع شخص في حبي، لكنني تخليت عنه، فجانب الحب لدي قد غرق في الأعماق بالرغم من تكرر المحاولات.

قلت بأن كل شيء سيكون على ما يرام، وقلت بأن الطريق لا تزال طويلة أمامي لأعيش، نسيت بأنني لن أمضي نحو الأمام فساقي اليمنى لم تعد تثق باليسرى وصرت عالقا بمنتصف الحياة. فالانفصال عن شخص حي تعشقه هو أسوأ أنواع الانفصال؛ ما زلت أنتظر أن تظهر يوما ما وبشوق الانتظار أشاهدها وتخبرني بأي وسيلة ها قد عدت من جديد؟

أعلم أن هذا لن يحدث بالرغم من أني متمسك بالأمل والثقة الربانية، فأنت يا صاحبة الفستان الأبيض والأسود أجمل وادع لي. تنظر إلى كما أنظر إليها، وكل مرة نتبادل النظرات من بعيد كأن للأعين لغة أخرى للتحاور فيما بينها.
كان بإمكاني العيش مع البعض منكم، لكن بالغتم كثيرا فقررت الابتعاد تحت مصطلح الهروب وبعنوان الاستسلام في جملة: “تمنيت الفرار من نفسي…….”.

أصطف بجانب عشاق الصيد حسب الالتزامات ملقيا بصنارتي والخطاف بقعر البحر، غارقا بين همومي لدرجة أنه بعض الأحيان يصرخ البعض ممن حولي: “نحن نحاول جاهدين اصطياد سمكة وأنت حالفك الحظ ولا تحاول سحبها حتى”. لو تعلمون كم أتمنى بكل مرة لو كنت أملك الحظ بالحياة كما الصيد، لدي أشخاص غائبون أتمنى بكل حرقة لو كانوا معي حتى ولو كلفني الثمن نفسي.
عندما ألتقي مع البعض يصادفني سؤال من أنت.. أخشى أن أقول له أنا لا شيء مند مدة رغم أني حققت مالم يحققوا طوال سنين طويلة….

أعيش مثل النبات بدون هدف، أبدو أخضرا وحسب، لكنني بحاجة لأن أكون شخصا ما لأجل شخص ما أو أشخاص، فلم أخرج ابتسامة نابعة من القلب مند شهور.

لدي زملاء سعوا جاهدين، لكن الزملاء هم أكتر من يؤلم لأن نواياهم صافية، إنهم يؤلمون في كل مرة يضغطون على الجرح لإيقاف النزيف، لا يؤلمون بنية سيئة لكنهم يتسببون بالألم لكي يشفى الجرح.
لكن جرحي عميق لم يستطع أحد فك رموزه، بالأربعاء كنا شخصين بروح واحدة وبالخميس صرت نصف شخص، عندما يغلي فنجان قهوتك الوحيد سريعا، يمر بذهنك كافة الأحداث بكل أنواع القذارات، وعندما تدرك أنك أصبحت قذرا تعرف بأن أغرب التفاصيل تصبح مهمة، فيتعين عليك فتح الباب بمفتاح بارد وأن الحوض لن يمتلئ أبدا، هنا أدرك بأنها رحلت للمرة الأولى وأصبح لا أحد.

أهرب من اليوم، من الغد، غارقا في الماضي ولا أقوى على التنفس بدونه، أهرب من أترك ثم أعود لنصف شخص مجددا، أعلم أننا غير مكتملين فعلا لكن بيدنا أن نصبح أقل من ذلك، مازلت استمر في صراخي بصمت، أهرب من كل شيء جيد، أصبح مليئا بالشفقة على نفسي، أهرب من أي شيء حي ويتنفس.

يتبع…

“عبق الماضي” الجزء الأول

 

سعد الدين زياد

لست سوى مجرد كاتب هاوي عاشق للحروف و محب لتكوين لوحة فنية نابعة من الأعماق تجذبني إليها لعلها تخفف من الجروح الغائرة التي لم تشفى بعد رغم مرور كل هذه الأيام.