مصير عنكبوت

المعنى بين خيوط العنكبوت

بشكل عفوي ومن دون أي تخطيط ووعي مسبقين، وجدت نفسي أقمع الرغبة في كتابة هذه الأسطر.

حملت في يدي اليمنى قلما أسودا وأسلمت يدي للتعبير عن بعض مما يخالج شعوري ويداعب مخيلتي. يبدو لي أني أحب اللون الأسود، هو يميل إلى شخصيتي وأنا أحب تعبيره عن كنه الأشياء، لاشيء هنا الليلة سوى الفراغ وبعض الأوراق المتناثرة فوق منضدتي، أوراق ماض ضاع ومستقبل مجهول، والعناكب على مرمى من بصري تحيك خيوطها في إحدى الزاويا المعزولة من سقف غرفتي، من الجلي أنها تمارس عملها الدؤوب والأبدي، وإن يكن ! لا شك أنها تبرع في ما تقوم به ولا أحد يستطيع أن يقلد عزلتها، لأنها حقيقية وغير مصطنعة. تجري الرياح في غرفتي بما لا تشتهي خيوط العناكب، فكيف سيعي مجتمع الغربان ما يجول في خاطر العناكب؟

لاشيء يعلو في مجتمع الغربان سوى الصياح بلا طائلة، يدعون الفهم والإحاطة بكل الأشياء، فهم بصيغة نعم ولكنه في الحقيقة لا …! إن الأمر شبيه إلى حد ما بمشاهدة شخص يتزلج فوق التلال، يقفز من خيبة لأخرى، من غيمة الوجود إلى خيبة العدم، من حضن الوطن إلى خيبة التشرد، من ملكة الحب إلى خيبة العزلة، فأنا والعناكب نتشارك نفس العزلة، كيف أتصرف كأن الأمر عادي لاتشوبه طائلة ؟

لا تؤاخذوني إن أمضيت عمري أتظاهر بأشياء عكس التي أبطنها في دواخلي، فهناك أمور لازالت عالقة بذهني، تبتلعني، تجعلني أسير في الطريق الذي سطر لي تارة وتجعلني لا أسير وفق ماسطره مجتمع الغربان وأضفى عليه سمة العادي والطبيعي، فالأشياء التي شكلت هويتي خلقت فجوة عميقة بداخلي، أشياء تشتهي صنع المستحيل، كرغباتي التي تسمو لعالم المثل، مكان كله بياض لايسكنه سواد، مكان يحمل المعنى يحمل جوابا لسؤال ماذا تحيك العناكب …؟

كلنا نريد أن يكون للحياة معنى؛ ويبدو لي أننا كلما كبرنا أكثر ازداد بحثنا عن هذا المعنى وازدادت صعوبة إيجاده، بعضنا يبحث في المكان الخاطئ وآخرون يعتقدون أنه المكان الصحيح، دون حياء أو خجل، دون تواضع أو اعتراف بالفشل…

إنتهت العناكب من حياكة لغزها منتظرة أحد الغربان لكي يحل شيفرة لوحاتها أو أن يصدر حكما ويقر بأن لغزها لا يحمل أي معنى، مجتمع الغربان يتسارع دائما وكعادته لكي يعطي المعنى، أيفقد العنكبوت المعنى؟ يتساءلون: ماذا تترك أيها العنكبوت لمن تحب إن لم يكن لحياكتك هذه الخيوط معنى …؟

مصير عنكبوت

صلاح الدين بوالرباب

طالب في علم الإجتماع