محمد مرسي

رحيل حلم

الشعب ينتصر ويحقق مطالب ثورته في أداء إنتخابات حرة نزيهة، بعد أن فقد الوطن أرواحا طاهرة صدح صوتها حرية، فنت في سبيل أن ترى وطنها حرا، تمنت لو أن تبقى لتشهد نهاية الأسى…

وكم من روح قبل أن تغادر نقشت هتافا هنا وهناك بصوتها أو بخط يدها، كم روحًا تركت أثرًا بل وبصمت بدمائها على أرض ذاك الوطن، فكم من روح غادرت كانت تأمل بأن تشهد حدثًا لطالما هتفت له.

أخيرا…يتجه المواطنون للتصويت، لاختيار أول رئيس مدني منتخب، أتى عن طريق صندوق الإنتخابات النزيهة، كانت المرة الأولى والشعور الأول بالحرية، وأن تلك البلاد بلادنا، ولكن أبى الفساد أن يرحل دون أن يَدس نفسه بين حريتنا، ولكن انتصر الحق وانتصرت إرادتنا في النهاية، وأتى لمصرنا حُلم جميل لطالما حلمنا به..

  • 24 يونيو 2012 عُيّن محمد محمد مرسي عيسى العياط رئيسًا لمصر .. بنسبة 51.73 % من أصوات الناخبين..

يا لفرحة الميدان، حتى أرض مصر تنفست الصعداء أخيرًا وسجد الجميع لله حمدا وشكرا وفرحًا.
أذكر دموع هذا وذاك، وكيف صار الجميع إلي الشوارع يحتفل، لم يكن الإحتفال في مصر فقط وإنما شاركتنا كل الدول الحرة فرحتنا، وأتى إلى الميدان حُلمنا الجميل ليؤدي أمامنا القسم، وسط شعور بأن أبًا تولى شؤوننا فلا خوف ولا حدود ولا حواجز الآن
قال: “أعاهد الله ثم كررها مره أخرى أعاهد الله وأعاهدكم ثم أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الدستوري، وأن أحترم القانون، والجمع يهتف الله أكبر ثم أكمل، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه“..

قد كان صادقًا ولم يكن مجرد قسم أتى ليتلوه علينا، وإنما كان قلبه الناطق لا لسانه، ثم أضاف وأكد “أُقسم أمامكم وأعاهد الله وأعاهدكم يا شعب مصر من أقصاها لأقصاها بشهادة الله والعالم بالوفاء بذلك، أعاهدكم أن أعمل معكم في كل لحظة من أجل تأكيد وحدتنا وتعظيم قوتنا، ثم قال سأكون محافظًا على عدم انتزاع سلطة الشعب أو نوابه، وأنّي رئيس لكل المصريين” .. لم يكن ينوي التمييز بيننا ،ولم يكن ينوي أن يتهاون في صلاحياته الرئاسية وهو لا يملك الحق في ذلك..

30 يونيو 2012 تولى ذاك الحلم زمام أمرنا، ولكن ما كان للفضائيات ومُذيعيها إلا أن يبثوا الفتنة والخوف بل والرعب في قلوب الشعب من حكمه، وأنه لا يصلح!

لم يتركوا موقفًا إلا ونقدوه وهاجموه بل وحضروا وحاسبوا وحددوا له مهلة زمنيه كي يقلب مصر من حال لحال في مائة يوم، وكأن فساد ثلاثين عاما وأكثر يرمم في مائة يوم!!

لم يتركوا فرصة إلا وحقروه وقيدوه حتى أنهم شاركوا في تقصّيه..يا لظلمهم ..!

شاء القدر أن حُلمنا الجميل ينتهي بإنقلاب حقير ويُلقى به في غياهب الأسوار خلف أربع حيطان قذرة، لا يُرى بها نور سواه، أهملوه إلى أن قتلوه إهمالًا متعمدًا،فكل ذاك الأمر كان مخططا له.

17 يونيو 2019 …
تُسدل ستائر الحزن على مصر فقد رحل حُلمها! وحتى الآن مازال الحزن يكسوا قلوبنا وملامحنا، لم يُعامل كما يجب أن يُعامل، ولم نكن بجانبه كما كان بجانبنا، لم نسانده…

كنا بناته وأبناءه، وإخوانه كنا عائلته المتخاذلة، التي شهدته يموت ببطئ دون أن تحرك ساكنا، وبعد أن رحلت روحه للعلياء أيضا لم نقتص له، هو من قال لن أخرج من السجن قبل خروج أبنائي، لم نعامله كأبناء ولم نكن نستحق تلك الثقة التي كانت تجاهنا،حق لنا أن نضع رؤوسنا بالتراب، أن نحني رؤوسنا خجلا، فكيف لنا أن نرفع رؤوسنا عاليًا وهناك من خذلناه؟! -أشعر وأعي تمامًا ما معنى الخذلان!-

ربما لم يطلب منا أن نقتص له، ولكن ملامحه وثباته لأجلنا فعل، وقال الكثير…
كان علينا أن ننتفض لسجنه، ولموته !
دُفن ليلًا دون أهله، دون أرضه، دون حقه، دون وداع يليق به أو صلاة..
أيّ ظلم هذا الذي حل به ولم يحركنا ؟!

فلعنة الله على من ظلمه ومن أيّد الظلم عليه ومن صمت وهو قادر على الدفاع عنه ومن شمت ومن مازال يشمت ومن ساعد وساهم بل ولمح تجاهه بسوء….

عام من الفقد أبي، بكيتك حتى انهارت قواي وتصدعت عظامي إلى أن هُلكت روحي وهي تشكو ظُلمًا وقع عليك..

سيأتي يوم وأقسم لك سيُرد حقك من أبنائك -نحن-، سنأتي جمعًا نقف على قبرك أفواجًا نُصلي ونقم جنازة أخرى تليق بك..
لن ننسى يا أبي ذات يوم سنختم فوق قبرك قرآنا ودعاء، سنرد لك ولو جزءا مما لك علينا، وليكن هذا دين علينا ليوم القيامة،أُعاهدك بذلك بل؛ نُعاهدك كما عاهدتنا على ذلك.


محمد مرسي

شيماء أحمد

مدونة مصرية