كن أنت.. لا ما تفرضه عليك المظاهر

لا تنخدعوا بالمظاهر.. لنكن جوهَريّين أكثر!


تتميز الحقبة الزمنية التي نعيشها بالاهتمام الزائد بالمظاهر وفن الإتيكيت في شتى نواحي الحياة، في اللباس، تأثيث البيت، الاهتمامات، الاختيارات، المعاملات الاجتماعية وكل ما يتعلق بالحياة بصفة عامة.

أصبحنا نعيش زمنَ النفاق الاجتماعي بامتياز، زمن “الضحَكات الصفراء” الباردة، ورود بهية مفروشة على الأرض حين تلمسها رجلاك تسيل دمًا، ضحكات تخفي وراءها دموعا، و ترحيب بأعذب الكلمات وفي القلب صدّ وفر ..

يجب أن تتعلم رسم كل شيء، كيف تجلس وكيف تأكل، وكيف تتحدث، كيف تأخذ صورة، كيف تبتسم. كل شيء مدروس مرسوم حتى كيف تبدو طبيعيا، كيف تبدو عميقا، كيف تبدو لا مباليا..!

لا تنخدعوا بالمظاهر.. لنكن جوهريين أكثر! فكم من حامل للشواهد العليا أمي الفكر بذيء الأخلاق، و كم من أمي، نبيل الأخلاق و الفكر، و كم من متحدث في الدين، يعرض نصائحه على الغادي و البادي و هو فارغ الجوهر منه، و كم من صدوق مؤمن محسن متصدق لا تعلم عنه شيئا، وكم من شاب وسيم غني عذب اللسان لكن مغرور قبيح الأخلاق، وعلى ذلك أمثلة كثيرة منها ما ذكره الله سبحانه و تعالى في سورة المنافقين: {وإذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وإن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (المنافقون:4). فقد بيّن الله – تعالى – بأن الناظر إليهم يُعجبُ بجمال أجسامهم، ومن يسمعهم يعجب بفصاحة ألسنتهم، لكنهم كالهياكل الفارغة، أشباح بلا أرواح، ومظاهر بلا جوهر.

كما أن التعلق بالمظاهر يجعل المرء يلهث وراء كل ما هو “نموذجي”، “حصري”، و “آخر صيحات الموضى”، مما يؤثر سلبا على ثقته في نفسه إن هو لم يستطع تحقيق تلك المطالب، وبذلك زعزعة مكانته الاجتماعية، كما يؤثر على مستواه الاقتصادي بالاهتمام بالكماليات دون الضروريات، فيعيش في دوامة الإحساس بالنقص، أو يصير عبدا لصيحات الموضى، فيهمل النعم التي بين يديه ويغفل عن عيش حياته و الاستمتاع بها، لذلك:
لا تنبهروا ونحن ونبتسم قبالة الكاميرا بكل شغف، فقد أخذنا عشر صور لنختار منهم الأجمل بعد تمريرها من الفلترات لنطل بأجمل ابتسامة لدينا، أما في الأصل فنحن عاديون مثل بعضكم، أو ربما أقل من بعضكم، أو في أحسن الأحوال أجمل من بعضكم قليلا..

ومن مثال ذلك أيضا ما ورد في الحديث الصحيح: [أن رجلاً مرَّ على النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع يُشفع، وإن قال أن يُستمع إليه. ثم مر رجل آخر، فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حريٌّ إن خطب ألا يُنكح، وإن شفع ألا يُشفَّع، وإن قال ألا يُستمع إليه. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا]( أخرجه البخاري).
أي أن الأخير أفضل من الأول، ففضَّل النبي – صلى الله عليه وسلم – الفقير على الغني، وذلك ليس بقاعدة تفضيل كل فقير على كل غني، إنما أراد أن يعلمهم أن التفاضل لا يقوم على المظاهر بل على المعاني الباطنية، وما تنتجه من أعمال و أخلاق، و هذه أمثلة تناولت الجنس البشري لكن القاعدة تعمم على كل شيء منها اختيار الملابس والأثاث والأفكار والأصدقاء والفن وكل ما يتعلق بالحياة.

لا تدققوا أن تلك الابتسامات لا تفارق محيانا، ولا أن ذلك العمق الذي نرسمه على وجوهنا ينبعث من أعماقنا..
حين ننشر صورا في أرقى المطاعم ونحن نتناول الأطباق الغريبة، لا تنبهروا كثيرا، فلربما كانت تلك مرة واحدة يتيمة، وما نتناوله يوميا يشابه ما تتناولونه بالضبط..

حين تروْنَنا ونحن ممسكون بأيدي أزواجنا بكل حب، بكل سعادة، و نحن نتمثل تفاهم العالم، فلتعلموا أننا نتخاصم أحيانا مثلكم ونتصالح بعدها مثلكم، ونختلف أحيانا مثلكم.. وهذا هو الأمثل..
لا تصدقوا أننا لا نبكي، أو لا نضعف، أو لا نحزن، نحن بشر تنطبق علينا كل تغيرات الحياة مهما كنا أقوياء، لكننا لا نريكم سوى الجانب المضيء فلا تُصدّقونا دائما..
لا تظنوا أن بيوتنا مرتبة على مدار الأيام، و مطابخنا تلمع كما يلمع “الفلاش” ونحن نأخذ صورة للطبق الذي حضرناه لنشاركه معكم “صورةً” فقط، فذلك غير طبيعي بتاتا.

لنكن جوهريين أكثر، لنقدر القيمة الحقيقة للأشياء، لنمنع المظاهر من إفساد حياتنا، لنحافظ على الأشخاص الصادقين في حياتنا و نستغني عمن لا يستطيعون أن يقدموا لنا سوى بعض الكلمات المنمقة و الأحاديث التافهة.

ليس ضروريا أن يكون أثاث بيتك حسب آخر صيحات الموضى، فالمهم أن يكون مريحا، ألوانه لها هالة إيجابية، يتناسب مع تحبونه أنتم لا ما تفرضه المظاهر..
لا تدَعي ملابسكِ تجعلك متوترة طول الوقت فقط لأنها تلائم الموضى، ضعي ما يلائمك أنت وما يناسب ذوقك أنت والأهم ما يشعرك بالراحة..
أحبَّ ما تحبه أنت لا ما يُسَوّقه الإعلام، و تغنّى بما تحسه أنت لا بما يحصد أعلى نسب الإعجاب..
ببساطة، كن أنت أنت، لا ما تفرضه عليك المظاهر!

حنان سليمان

كن أنت.. لا ما تفرضه عليك المظاهر

Exit mobile version