فلتغفري أمّاه

جفاء ابن مقابل حنان أم

توفيت منذ أيام امرأة من العائلة تقربني من بعيد، كانت اللقاءات بيننا لا تتعدى رؤوس الأصابع، غير أن وَقع الحادثة في قلبي كان أليما نوعا ما، ربما لأن حديثها معي كان كله عبارة عن دعاء وفيْضٍ من الحب والحنان، علما أنها كانت تعاني من “الزهايمر” في عقديها الأخيرين.

أذكر جيدا حين طلبت مني أن أذهب معها وأعيش في بيتها وكيف أنها ستعتني بي وستزوجني إحدى أبنائها ظانّة هي أن أبناءها لا زالوا صغارا عزابا وأنهم يعيشون بينها…. الغريب في الأمر، أنها قبل ووفاتها ورغم تخلّي جل أبنائها عليها وانشغالهم بالطمع والأموال كانت تذكّرهم وبالأخص ذلك العاقّ بها! مرّت سنين لم يحاول أن يصلها أو يعرف أخبارها بينما كانت – رحمها الله- في كل مجمع ومرتع تذكُره، وتنظِم فيه ما جاد به لسانها من أغاني شعبية تلوم الغائب وتحن عليه … هكذا هي كانت، لم تنساه ولا زالت تذكُره حتى آخر رمق ..

مقابل الجفاء كانت تجود بالحنان … إنها الأم، وما أدراك ما الأم! الصادم في المشهد أنها وفي لحظاتها الأخيرة، وهي تلفظ أنفاسها، اتصلوا به لإخباره بموتها فما زاد ردّه عن : “رحمها الله”.

لا أدري ما الشر الذي أوزعته في قلبه حتى أورث كل هاته القسوة ؟ تساءلتُ كيف لقلبٍ أن يكون بمثل هاته الصلابة؟ وكيف لأمّ أن تغفر بهاته البساطة ؟ كيف للإنسان أن يحمل في طيات جسده قلباً بهذا الكم الهائل من الحقد؟ وكيف لقلب أن لا يخنع في سبيل المحب ؟ تساءلتُ عن حالها وهي تودع الحياة بحمل ثقيل كان ليسقط مقابل نظرة ؟ و عن حاله ؟ كيف له ان يعيش بضمير ربما يصحو ذات يوم ليذيقه طعم مرارة الندم ؟ وبما ينفع حينها الندم!

أ كان الزهايمر رحمة بحالها ناسية متناسية وطأته أم أنه مرارة من نوع آخر، ذكريات تأخذ بها إلى زمن كانت فيه العائلة ملتئمة الشمل لا مال و لا بنون و لا زينة حياة تشغلهم عنها ؟
أسئلة كثيرة دارت في خاطري، لم أحاول التفكير في أي جواب منها، فقط اكتفيت بالدعاء لها وأغلقت عيني متجاهلة تماما تلك الدمعة التي تهوي بالهبوط !.

فلتغفري أمّاه

فاطمة الزهراء أوداد

إطار في شركة تأمين حاصلة على ماجيستير في المالية