هرطقات حول الحب والملل والخيال.. وأشياء أخرى

خواطر عن بعض المتناقضات..

قد تجلس لوحدك في ركن من أركان البيت، وتترك أحلامك وخيالاتك اللّامتناهية تقودك وتسبح بك في فضاء الأشياء والممكنات، قد تدخل في موجة استيهامات مع فتاة حركّت مشاعرك أو خلخَلَتْ أناك وتمركزك حول ذاتك. قد يُدخلك قطار أحلامك وخيالاتك في متاهات لم تكن تريد أو تقبل الاعتراف بها في يوم من أيامك وأنت صاحٍ. هذا وصفٌ لبعض ما يمكن لدماغنا أن يفعله بنا ونحن في غفلة من أمرنا أو بشكل اكثر وضوحا عندما ينفجر اللاوعي ويصبح هو المسيطر والمتحكم في زمام نشاطاتنا النفسية والذهنية في تلك اللحظة أو الهُنَيْهَة.

قد تكسّر تمركزك حول ذاتك وتذهب مباشرة إلى الفتاة التي تريد الإعراب لها عن مشاعرك، وقد حفظت بعض الأسطر أو الكلمات التي سترميها بها، وقد تنسج أيضا الحوار الذي من الممكن أن يدور بينكما وطريقة حديثك معها وحركات يديك في ذهنك وأنت ترشقها بألفاظك المبتذلة، لكن إذا ما تم قبول دَعوتك وفتحت لك باب مشاعرها ستتقرّب لها بشكل أوتوماتيكي وتنجذب إلى إحدى خصالها التي قد تكون بالنسبة لك هي أهم ما يُميّزها، لكن وبعد مرور الأيام والأشهر سيبدأ هذا الانجذاب يتلاشى شيئاً فشيئا، وستصبح هذه الخصلة أو الخصال التي كنت منجذبا إليها في يوم من الايام هي الشيء الوحيد الذي تكرهه فيها بشدة ومن كل أعماق قلبك: لا أعرف لماذا؟ كل ما أعرفه هنا والآن هو أن الانسان أعْقَدُ من مجرد تفسيرات ومفاهيم تسعى إلى قوْلَبته.


في يوم من الأيام نهضتُ من لحافي الذي كنت أنام عليه لمدة 5 سنوات تقريبا، كنت أحبه كثيرا وأظن بأنه كان يبادلني نفس الشعور. مددت يديَّ للفوق لكي أمددهما من فرط تشجنهما أثناء نومي، حملَقْتُ فيه جيدا وشعرت بنوع من الاشمئزاز والضيق؛ لقد مللت من منظره ومن رائحته (التي كانت رائحتي)، ثنيته بسرعة وذهبت به إلى حاوية النفايات ورميته من دون وداع : لا أعرف هل مللت منه أم مَللتُ مني، هل تخلّصت فعلا من لحافي أم تخلصت مِن جزء منّي كنت قد مللت منه منذ مدة طويلة.


عندما كنت طفلا صغيرا، كنت أخاف من الحمير كثيرًا، لدرجة أنني كنت لا أحبذ الذهاب إلى الروض خوفا من أن يعترض أحد الحمير طريقي. وفي يوم من الايام وأنا عائد إلى البيت من الروض الذي كنت أذهب إليه مرغما عن أنفي، وقف احد الحمير فجأة أمامي وابتسم لي ابتسامة عريضة، بدأت بالصراخ والبكاء حتى سمعني كل الناس المتواجدين بالحي، ثم سألتني إحدى نساء الحي عن ما الذي أبكاني واجبتها بأن حمارا من حمير “أحمد” اعترض طريقي، لكنها اجابتني بأنها لم ترَ أيّ حمار، وبدأت تربِتُ على كتفي لكي تهدّأ من روعي: الخيال أحيانا قد يكون قاتلا أكثر من الواقع!


قال لي صديقي “الحداثي” في يوم من الأيام بأنه مدافع عن حقوق المرأة. مرّت الأيام والأسابيع، ثم التقيته من جديد على قارعة الطريق صدفة، تحدّثنا طويلا عن الماضي وجاذبيته، والمستقبل وضبابيته، وعن الحاضر وتشرذمه. لكن، وأثناء توديعه لي في نهاية الحوار، مرّت من أمامنا فتاة ترتدي سروالا ملتصقا على مؤخّرتها، حَمْلَقَ فيها جيدا، وقال لي بصوت خافت يكاد لا يُسمع: “هؤلاء العاهرات هم السبب في انحطاط أمّتنا !!”


القراءة

عندما كنتُ طالبا جامعيا، كنت متأثراً بالأفلام الأمريكية، خصوصا الأفلام التي تتحدث عن الطلبة داخل الجامعة وطرق وقوعهم في الحب، لعل أشهرها هي اصطدام فتى بفتاة يجعل من الأوراق التي كانت تتأبطها تتساقط متوزعَةً حول المكان، ثم ينحنِيان -الفتاة والفتى- في نفس الآن لالتقاط الأوراق المبعثرة فتتلاقى أعيُنهم…، والنهاية معروفة لا تخفى!.

في الأيام الأولى، حاولتُ جاهداً صناعة سيناريو من هذا، لكنني دائما ما كنتُ أفشل، وبعد مرور قرابة الشهر كانت فتاة جميلة قادمة من أمامي، أخرجت بعض الاوراق التي كنت أضعُها في محفظتي وتأبطتها تحت ذراعي الأيمن وحنيت رأسي لكي لا أدع لها أي مجال لكي تشك في تصرفي هذا، هي قادمة وأنا احاول المشي بثبات نحوها، لكنها تخطَّتْني بسرعة عند آخر التقاء لي بها، وكان أحد الرفاق واقفا في إحدى زوايا الجامعة ينتظر من هذه الفرص لكي يغطي بعضا من النقص والحرمان الذي يعاني منهما، أخذ بيدي وبدأ يصرخ : ” أيها الطلبة، أيتها الطالبات، لقد أمسكت هذا المكبوت يتحرش بإحدى الطالبات العفيفات“، بدأ المكان يعمر شيئا فشيئا بالطلبة، فبدأت الأصوات تتعالى هنا وهناك، هناك من قالَ موصياً: “علينا ضربُه”؛ وهناك من قال: “علينا أن نحلق شعره وحاجباه. هكذا فهمت بأن أصبحت كالقربان الذي تقدمه الجماعة للآلهة مغفرة لخطاياها. وبعد أخذ ورد ومشاورات كثيرة، اتفق الكل على “تحليق رأسي وحاجبَيّ”، تمت العملية، وعُدت إلى المنزل واضعا محفظتي على راسي لكي أبعد الانظار عني، وبعد مرور شهرين كنت مارّاً من إحدى زوايا الجامعة ووجدتُ الطّالب نفسه، الذي رمَقني وأنا أحاول ملامسة تلك الفتاة، يُقبّل الفتاة نفسها التي ذهبتُ على إثرها ضحيّة “كبت جماعي!

هرطقات حول الحب والملل والخيال.. وأشياء أخرى

عصام نكادي

طالب باحث في شعبة علم الاجتماع