جدار برلين

عن الشعر و السرد

إلى هشام ناجح


تركت القصيدة نائمة تشخر وخرجت متسللا على أطراف أصابعي ,كإوز الحديقة وهو يلاعب الأطفال قرب البركة.ذاهبا لأرض السرد دون تأشيرة دخول التجريب لا يتوقف داخل متن النص، أكتب أشياء غريبة الأطوار كتبت قصة نصف شخصياتها نمل وعناكب. كما قررت طرد شباب ’’إيمو’’ تسللوا لروحي بقصات شعر طويلة، تترك أعينهم دائما مغلقة وسواعدهم تملؤها الندوب.

أخبرني أصغرهم أنهم من أبناء عمومة القصيدة، وقد أرسلتهم لجعلي حزينا مرة أخرى. لأعود لبيتها صاغرا وهي تنتظرني كزوجة ثانية عند مدخل الخيال، وتوبخني عن تأخري في جلب الموز وهي بمرحلة الوحم.

سيؤلمها خبر طردي لأبناء عمومتها من الانتحاريين من بهو روحي، فهم لا يدفعون الإيجار في الوقت المحدد، يحدثون جلبة في الليل، لكونهم ينامون في وقت متأخر…إضافة الى أنهم يسقون الكلمات بالقهوة بدل المطر. فهم فلاحون كسالى ولا يعتبرون الاستيقاظ في وقت مبكر، يعادل الذهب المشري ولا هم يحزنون.

بدأت كتابة الرواية التي أخبرتك عنها سابقا أكتب بمعدل خمس صفحات في اليوم، ما زلت في البداية أخط ’’بنوستالجيا’ أجواء مزاب. مقتبسا مقولات فلسفية بين الفينة والأخرى، فالشخصية الرئيسية طالب فلسفة .أتبع جنونه بالحبر،لأفهم سر النهاية المأساوية التي ورطته دروب الحياة بها.

عبد الله ازريقة واللعبي ممتعضان من خيانتي لهما، و قد تزوجت زوجة ثانية (الحكاية) دون أخذ مشورة الأولى (القصيدة).اخترت أن يكون الزواج عرفيا دون عقد ,أكتب في ’’أجوندا’’ بغلاف أحمر. دعوت بعد مغنيي ’’البلوز’’ للعزف على ’’الوتار“، لا زلت لا أعرف الحل لتجاوز هذا الكم من البياض المتبقي لأملأه بالسرد والسرد…

إاشتريت قمصانا وردية احتفالا بالصيف ,لرشوته بأن يكون أرحم من الفصول السابقة. ولأننا لا نملك بحرا كما هو الحال عندكم في الجديدة، أفكر بجدية في اقتناء بعض دلاح دكالة والذهاب للتمرغ في التراب. كشخص سعيد لاعنا القصيدة، وكل الألم الذي أدخلتني فيه.و أنا أحمل الأوراق في جيوب محفظة سوداء، منتقلا بين سقيفة مقهى ’’موليير’’ و ’’كازابلونكا’’ باحثا عن إشراقة دهشة .بينما كومة من القصص المجانية تتحرك بالأزقة, و بالذاكرة كل يوم.

الألم ضريبة القصيدة، بينما الكذب الأبيض ذخيرة السرد.وربما هذا هو سر وراء نجاح الرواية أكثر من الشعر،فالشعوب العربية اعتادوا سماع الأكاذيب في برامج المذياع على الخصوص. بينما الأجساد المتلاصقة في ’’طاكسيات’’ النقل الكبيرة تكون غير ابهة لما يذاع هناك وحده السائق يحدث نفسه بصوت مسموع ويقول:
– ’’و الله الى هاد المذيع عفريت’’.

أتمنى فعلا لو أستطيع إكمال الحكي، دون أن تأخذني مناديل ورقية على شكل أصفاد خيبات مشوهة لأرض الشعر مجددا. لأحزن كثيرا وأكثف كل ذلك في نص طويل،أو شذرة.
لكنني أفكر في حيلة جيدة، سأحاول إسعاد القصيدة هي الأخرى. سأشتري لها الموز الذي طلبته، وسأدعو أبناء عمومتها لجولة معي في الزورق، الذي تركته في الحضانة يلاعب أسماك القرش وبعض الدلافين سيئة السمعة.

توقفت عن التسكع في الحانات منذ ما يقارب الأربع سنوات، لكنني لا أزال صعلوكا على اية حال…
أرجو أن ترسل لي بعض الإسمنت إن كان لا يزال في حوزتك، سأبني حائطا طويلا بغية التفرقة بينهما كألمانيا شرقية وغربية إبان الحرب الباردة .الشعر سيكون ’’خروتشوف’’ و كل الزعماء الحالمين بالتحرر، بينما السرد سيكون أمريكا.سيحتج الشعراء أمام سفارتها لكن ذلك لن يسعفهم في شيء، لن تتواصل معهم دور النشر،لن ينالوا جوائز. بينما الليبراليون من حلف السرد لن يتوقفوا عن جني الأرباح، والظهور على شاشة التلفاز بينما الشعراء لن يتذكرهم أحد إلا بعد وفاتهم .

نفس الأشخاص الذين تجاهلوهم بالأمس القريب، سينشرون صورا معهم في ملتقيات من زمن غابر. خبؤوها بعناية في انتظار الموت، ليقولوا أن الاسم الشعري الفلاني لم يلق الاعتراف بمشروعه.
صديقك زكرياء …يحييك من خلف السحاب..

تنبيه هام : أرجو منك أن لا تنسى إرسال الإسمنت، في أقرب وقت لأفرض الحصار على الشعر وأجعل منه شخصا أكثر انضباطا وربما بعض مناطيد الهواء ستفيدني أيضا،لأطرد الميليشيات الشعرية المختبئة في الجبال.

جدار برلين

زكرياء قانت

شاعر و كاتب من المغرب