رحلة نفسية مع وحش بيدوفيلي

عن البيدوفيليا وتبعاته النفسية لدى الاطفال

“لقد مرت على الحادثة أزيد من عشرين سنة، لا أذكر تحديدا كم كنت أبلغ من العمر آنذاك لكني أستطيع تذكر أطوارها بشكل بالغ الدقة، كنت أخرج بين الفينة والأخرى برفقة صديقة لي تقطن بجوار منزلي تكبرني بعدة سنوات لنلعب سويا، وكنا نذهب في بعض الأحيان لدكان صديق عائلتينا حتى يتسنى لنا اقتناء بعض الحلويات، أذكر أنه في يوم من الأيام قد عرض علينا أن نلج لداخل الدكان حتى نتمكن من مشاهدة كل الحلويات الموجودة ونستطيع اختيار ما نريد، فجأة وجدت يده تعانقني من كتفي وبدأ يتحدث معي ويمازحني وبدون سابق إنذار شعرت بيده الأخرى تتحسس أعضائي التناسلية من الخلف ويبدو على محياه تلك النظرة المقززة التي لم تفارق ذهني أبدا، فبينما أنا طفلة صغيرة لا أفقه في سلوكه شيئا هو يستمتع بتصرفه المنحرف.. لم تكن تلك المرة الوحيدة التي تعرضت فيها للتحرش الجنسي من طرف هذا المريض النفسي، بل تكرر سلوكه عدة مرات قبل أن تحاورني صديقتي وتنبهني ألا أقوم بالذهاب لذلك الدكان مرة أخرى وقد أخبرتني أنها قد عانت من نفس الأمر سابقا وأنه ليس من العادي أن يقوم بتلك الملامسات وأوضحت الأمر لي قليلا وبينما سألتني إذا ما قد قام بنفس الشيء معي …فعقد لساني ولم أتجرأ على إخبارها وقد دفن سرها معي بينما سري بقي حبيس ذكرياتي أنا فقط”.

هذه ليست قصة من وحي الخيال بينما قد سردت أطوارها فتاة ضحية التحرش الجنسي في سن مبكرة من طرف شخص بيدوفيلي مما خلق لها عقدة نفسية عانت منها لمدة طويلة قبل أن تتمكن من علاجها إذ قالت في تصريح لها:” عندما مرت بضع سنوات واكتشفت أنني تعرضت للتحرش الجنسي مما خلق لي معاناة نفسية عويصة جعلتني أتوهم أن أي يد رَجُل تلمس كتفي هي تعني نفس اللمسة التي كان يقوم بها ذلك المختل، لقد بدأت في أول الأمر أهرب من عناقات والدي وقبلاته لي بدأت أتهرب من أي محادثة قد تجمعني بالجنس الآخر سواء كان من عائلتي أو غريب عني، لقد ظللت أتذكر تلك الأحداث لفترة طويلة، وقد تفاقم الوضع فيما بعد لأبدأ في الاختناق كلما تذكرت تلك المأساة...”

البيدوفيليا، اضطراب الغلمانية أو ما يصطلح عليه باضطراب الرغبة الجنسية تجاه الأطفال هو استخدام الأطفال دون سن الثامنة عشر بهدف إشباع الغرائز الجنسية لشخص بالغ أو مراهق يكون فارق السن بينهما خمس سنوات فما فوق، وهي جريمة أصبحت شائعة جدا في الآونة الأخيرة رغم أن نشأتها تعود لعصور غابرة حيث وجدت نقوش من العصر الإغريقي والفرعوني تجسد هذه الظاهرة، وهي باختصار تعني استغلال البالغين للأطفال بالتحرش الجنسي أو بإشباع رغباتهم بالاتصال الجنسي باستخدام السيطرة أو التهديد بالسلاح وإما تحت تأثير المخدر.

تشرح الفتاة وضعياتها وتضيف “… لم أكن لأتجرأ أن أدخل الدكان لو لم أكن أعتبر ذلك الشخص في مقام والدي بحكم ما كان يجمعه من رابط صداقة بوالدي، وإن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على ألا تؤمنوا أبناءكم في يد أي شخص مهما كان، فمرضى اضطراب الغلمانية أكثر الأشخاص الذين يستدرجون الأطفال بالحنان الفائق...”
وبالنظر لهذا الأمر فأغلب الدراسات تشير لأن المعتدي يكون من أقرباء أو جيران الطفل والاعتداءات تحصل في أكثر الأماكن التي يشعر فيها الطفل بالأمان.

وفي تفاصيل أخرى صرحت الفتاة ” ..لن أنكر وأقول أنني تجاوزت هذه الأزمة بسهولة فقد عانيت نفسيا لمدة طويلة وشغل الموضوع تفكيري باستمرار مما جعلني أرجح أن كل شخص في الشارع العام ينظر لطفل فهو بيدوفيلي يفكر في استغلاله حتى لو كانت تلك النظرات بريئة، لكن على الأقل استطعت تجاوز الأزمة مع مرور الوقت وذلك من خلال البحثت عن اضطراب اشتهاء الأطفال حتى تمكنت من استيعاب أن ليس كل الرجال يعانون من نفس الاضطراب.

رغم كل تفاصيل هذه المعاناة وتلك الليالي التي قضيتها بعينين مفتوحتين أحاول معرفة أي حظ هذا الذي تسبب لي عيش تجربة كئيبة في هذا السن الصغير، لكني أعيد التفكير فيها وأستوعب أنها بغض النظر عن كآبتها إلا أنني تمكنت من تجاوزها وهذا ما يهم”.

رحلة نفسية مع وحش بيدوفيلي

أمينة قاصد

-مدونة وكاتبة. -طالبة بسلك الماستر علوم سياسية وتواصل سياسي. -حاصلة على إجازة مهنية تخصص صحافة قانونية واقتصادية. -حاصلة على الإجازة الأساسية شعبة قانون خاص.