خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر _3_

سلسلة تدوينات استقرائية لجائحة هزت كيان العالم

لقراءة الجزأين السابقين:

الجزء الأول               الجزء الثاني


قد يكون المغرب نجح إلى حد كبير في الخروج من الأزمة بأقل الخسائر الممكنة واجتاز مرحلة الخطر، لكن ما ترتب عن الجائحة ومالها من تداعيات اقتصادية واجتماعية -على المستويين العالمي والوطني- تجعل سؤال ماذا بعد جائحة كوفيد-19 سؤالا مشروعا.

يتوقع الخبراء في مجموعة من التقارير العلمية والإخبارية، أن العالم سيشهد تحولا عميقا على المستويين السياسي والاقتصادي، منذرين بظهور عالم يسير في اتجاه التعددية القطبية، بعدما كان يهيمن عليه القطب الغربي الواحد بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، لصالح القطب الشرقي الآسيوي الجديد بزعامة الصين وروسيا والهند. كما أن هذه الأزمة سيكون لها تأثير على منظومة العلاقات الدولية، وكذلك على الأمن الإقليمي، لكونها حدثا سوف يغير شكل العالم على غرار التحولات الكبرى الناتجة عن أزمات عالمية كالحرب العالمية الثانية أو أحداث 11 سبتمبر 2001، والأزمة الاقتصادية 2008، أو ظهور تنظيم داعش عام 2014 …

كما يمكن أن تمس بجوهر وتهدد استمرار المنظمات الدولية، بعد إخفاقها في تعاملها مع الأزمة، وخير نموذج الاتحاد الأوروبي، الذي ظهر على شكل “التشرذم الأوروبي” في مواجهة الأزمة، سواء من خلال إغلاق الدول الأوروبية للحدود فيما بينها أو التنافس للحصول على المعدات الطبية من الصين، بالإضافة إلى عدم وجود خطة عاجلة لإنقاذ إيطاليا؛ الدولة الأكثر تضررا من جراء الوباء، رغم أن الميثاق المؤسس للاتحاد الأوروبي ينص في إحدى مواده على تبادل الخبرات بين الدول الأعضاء، إلا أن الأزمة أظهرت سلوكيات غير مسبوقة بين دول الاتحاد، حيث أشارت التقارير مثلا إلى استيلاء التشيك على كمامات كانت قادمة من الصين نحو إيطاليا…، وقد كان واضحا امتعاض المواطنين الإيطاليين من أسلوب تعامل الدول الأوروبية مع إيطاليا خلال الأزمة، الأمر الذي يجعل من بقائها في الاتحاد الأوروبي بعد انتهاء الأزمة محل تساؤل… وتخلي الولايات المتحدة عن شركائها الأوروبيين منذ بدايات انتشار الوباء، من خلال إغلاق حدودها مع الدول الأوروبية باستثناء بريطانيا.

أما على المستوى الاقتصادي فقد أشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن النمو الاقتصادي قد ينخفض إلى النصف في حال استمرار انتشار الفيروس. ووفقاً لتوقعات المنظمة، فإن الناتج المحلي العالمي سوف ينمو بنسبة 1,5% فقط خلال العام الحالي 2020، ما يعني أن العالم سيشهد أزمة اقتصادية لم يشهدها منذ عام 2008، وستكون آثارها أكثر وضوحا في كل من اليابان والدول الأوروبية.

من ناحية أخرى، ووفقا لتقارير منظمة العمل الدولية، من المتوقع أن يخسر العمال في جميع أنحاء العالم ما يصل إلى 3,4 تريليونات دولار من الدخل بحلول نهاية 2020، كما توقعت منظمة العمل الدولية أن 25 مليون شخص سيفقدون وظائفهم مقابل 22 مليون خلال الأزمة الاقتصادية عام 2008 بل ومن المحتمل تجاوزها، بالإضافة إلى تراجع قطاع السياحة العالمي بنسبة 30%، فضلا عن فقدان برميل النفط 60% من قيمته منذ بداية العام الحالي ليتأرجح ل25 دولارا للبرميل؛ ناهيكم عن التراجع الحاد في البورصات العالمية، وخسائر الطيران التي قدرها الاتحاد الدولي للنقل بحوالي 252 مليار دولار.

يتبع…

خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر -3-

محمد ايت تمريرت

محمد ايت تمريرت من مواليد 1992، تارودانت. حاصل على الاجازة في الدراسات الاسلامية. حاصل على الاجازة في العلوم القانونية تخصص القانون العام. دار البيضاء.